في الوقت الذي يسعى فيه الجيش البولندي إلى تعزيز صفوفه بمقاتلين محترفين ومتطوعين وسط مخاوف متصاعدة بشأن العدوان العسكري الروسي، سجّل أكثر من 20 ألف بولندي في التدريب العسكري التطوعي في الأشهر السبعة الأولى من عام 2025.
وبالنسبة للكثيرين في البلاد التي عانت عقودًا من هيمنة موسكو في عهد الاتحاد السوفيتي، يلوح في الأفق خوفٌ كبير من العداء الروسي، وقد تزايدت هذه المخاوف بعد أن أسقطت بولندا طائرات روسية بدون طيار في مجالها الجوي يوم الأربعاء الماضي.
ويتوقع أن يكمل نحو 40 ألف متطوع التدريب العسكري بحلول نهاية هذا العام، وهو أكثر من ضعف عدد المتطوعين البالغ 16 ألفًا في عام 2022، وهو ما يعكس زيادة في المشاركة العامة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
ونقل تقرير لـ"رويترز" عن العقيد جريجورج فاورزينكيفيتش، رئيس مركز التجنيد العسكري المركزي في بولندا، أن العدد الحالي يتماشى مع المستويات القياسية في العام الماضي.
تهديد روسي
منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، ضاعفت بولندا إنفاقها الدفاعي من 2.2% من الناتج الاقتصادي إلى 4.7% هذا العام، وهي أعلى نسبة للإنفاق العسكري في حلف شمال الأطلسي -المكون من 32 دولة- متقدمة بشكل كبير على القوى الأوروبية الأكثر رسوخًا مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وعندما أججت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض -الذي شكك في استعداده للدفاع عن حلفاء الناتو- المخاوف الأوروبية بشأن موثوقية الالتزامات الأمنية الأمريكية، كان رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الذي نشأ في ظل الحكم الشيوعي، في طليعة من حثّ قادة أوروبا على تحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن أنفسهم.
وفي ظل الخوف من التهديد القادم من الشرق، أطلقت بولندا في مايو من العام الماضي تحصينات "الدرع الشرقي" التي يبلغ طولها 400 ميل على طول حدودها مع بيلاروسيا وجيب كالينينجراد الروسي، التي تجمع بين مساحات طويلة من الحواجز المضادة للدبابات المعروفة باسم "القنافذ"، وأنظمة المراقبة والحرب الإلكترونية المتقدمة.
أيضًا، تعمل حكومة توسك على نقل الوحدات العسكرية إلى الشرق للاستفادة من مصادر التجنيد الأقوى، أو كما قال نائب وزير الدفاع باول زاليفسكي: "سوف يعمل الناس ويخدمون في أماكن يدافعون فيها عن منازلهم".
ونقل التقرير عن مسؤولين أن التركيز في إعادة هيكلة الجيش البولندي ينصب على القدرة على الحركة، والقدرات المدرعة، والدفاع الجوي، والعمليات اللوجستية.
برنامج مرن
وفق التقرير، فإن الخضوع للتدريب العسكري في بولندا لا يلزم المتطوعين تلقائيًا بالخدمة في الحرب؛ حيث تم تصميم البرنامج ليكون مرنًا، حسب المسؤولين.
يتدرب المتطوعون جنبًا إلى جنب مع الجنود المحترفين، لكنهم لا يُدمجون في الوحدات النظامية إلا بعد التحاقهم رسميًا، ويمكن لهم اختيار الاستمرار في الخدمة العسكرية المهنية، أو الانضمام إلى قوات الدفاع الإقليمي (WOT)، أو البقاء جزءًا من الاحتياطي النشط أو السلبي.
ويخدم المنضمون إلى قوة المهام المشتركة عادة بدوام جزئي في مناطقهم الأصلية وقد يتم استدعاؤهم في حالات الطوارئ أو أثناء التهديدات المتزايدة، بما في ذلك الكوارث الطبيعية أو أزمات الحدود، مثلما حدث عندما قامت بيلاروسيا بتوجيه عشرات الآلاف من المهاجرين نحو بولندا في عام 2021 أثناء التوترات مع الاتحاد الأوروبي.
ويتيح هذا الهيكل بناء قوة قابلة للتطوير، قادرة على دعم استراتيجية الدفاع البولندية في أوقات الحاجة، على غرار الأنظمة المستخدمة في ليتوانيا وألمانيا.
فجوة عسكرية
دفع تشكك ترامب تجاه حلف شمال الأطلسي، ومعارضته لعضوية أوكرانيا، بقية الحلفاء إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم الدفاعية، وأقرّت الدول الأوروبية بالتهديد المتزايد وزادت إنفاقها العسكري، بما في ذلك من خلال مبادرات دفاعية إقليمية.
التحليل الذي أجراه المجلس الأطلسي في شهر يونيو الماضي، خلص إلى أن قدرة حلف شمال الأطلسي على الرد على عدوان روسي محتمل لا تزال تعتمد بشكل كبير على القدرات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالطائرات المقاتلة والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي.
علاوة على ذلك، وعلى النقيض من روسيا، تفتقر أغلب الجيوش الأوروبية إلى عناصر احتياطية قوية، ما يجعل من الصعب تحمل خسائر فادحة على مدى فترات طويلة.
وفي السنوات الأخيرة، زادت بولندا من قواتها المسلحة بسرعة، لترتقي من تاسع أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي في عام 2014 إلى الثالث بعد الولايات المتحدة وتركيا، حيث يبلغ عدد أفراده 216 ألف فرد -وفقًا لتقديرات التحالف- وتخطط لزيادة أعدادها بنحو الثلث على مدى العقد المقبل.
مع ذلك، هذا الرقم ضئيل مقارنة بحجم الجيش الروسي، الذي أمر الرئيس فلاديمير بوتين في سبتمبر بزيادته بنحو 180 ألف جندي ليصل إلى 1.5 مليون جندي نشط.
وفي حين قامت بعض الدول الأوروبية الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك فنلندا ودول البلطيق، بتنمية قواتها العسكرية، فإن القوى الأوروبية التقليدية مثل ألمانيا وبريطانيا واجهت صعوبات.
ورغم زيادة الإنفاق الدفاعي والتحديث، تواجه ألمانيا نقصًا مستمرًا في التجنيد، حيث يوجد نحو 20 ألف منصب شاغرًا، ومعدلات تسرب عالية بين المجندين، حيث يبلغ عدد أفراد الجيش الألماني حاليًا نحو 180 ألف جندي نشط، وهو أقل من الهدف البالغ 203 آلاف الذي حدد في عام 2018 وأقل كثيرًا من الهدف البالغ 260 ألف جندي الذي اقترحه مؤخرا وزير الدفاع بوريس بيستوريوس.
كما أطلقت بريطانيا مبادراتٍ للاحتفاظ بالجنود، لكنها لا تزال تعاني انخفاض معدلات التجنيد والمعنويات، ويضم الجيش البريطاني نحو 71 ألف جندي مُدرَّب بدوام كامل، وهو أصغر عددٍ له منذ أكثر من 300 عام، وقد انخفض من نحو 102 ألف جندي عام 2010.