تتجسد مقولة "عدو عدوي صديقي" على المشهد الجيوسياسي الحالي في آسيا، حيث وجدت الصين نفسها أمام فرصة غير متوقعة بعد دخول الولايات المتحدة في خلاف علني مع الهند التي تعد أكبر منافس آسيوي لبكين.
فقد شهدت العلاقات الأمريكية الهندية تدهورًا حادًا منذ أن هددت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مطلع هذا الشهر بمضاعفة الرسوم الجمركية على السلع الهندية لتصل إلى 50%، بحجة استمرار نيودلهي في استيراد النفط الروسي.
ويهدد هذا التوتر المفاجئ بنسف سنوات من التعاون المتنامي بين واشنطن ونيودلهي في مجالات الأمن والتكنولوجيا، الذي كان مدفوعًا في الأساس برغبة مشتركة في كبح الطموحات العالمية للصين.
وفي المقابل، دفع هذا التطور نحو تسريع خطوات التقارب بين الصين والهند بعد سنوات من التوترات الحدودية والخلافات السياسية.
بوادر التقارب
بدأت ملامح الانفراج بين العملاقين الآسيويين في أكتوبر الماضي خلال قمة اقتصادات ناشئة عُقدت في مدينة قازان الروسية، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينج برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لأول مرة منذ 2019. أعقب اللقاء زيادة الزيارات الرسمية ومحادثات لتسهيل التجارة وحركة الأفراد بين البلدين.
ووفقًا لتصريحات مسؤولين هنود، تم بالفعل تخفيف قيود التأشيرات واستئناف المحادثات لفتح ثلاث نقاط تجارية على الحدود الجبلية. كما سمحت بكين في يونيو الماضي للحجاج الهنود بزيارة مواقع دينية في التبت، إضافة إلى جهود لاستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين.
ومن المقرر أن يزور وزير الخارجية الصيني وانج يي نيودلهي الأسبوع المقبل لاستكمال المباحثات الحدودية، في أول زيارة له منذ أكثر من ثلاث سنوات. كما سيزور مودي الصين هذا الشهر لحضور قمة أمنية إقليمية بمدينة تيانجين، يشارك فيها أيضًا "شي" والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي السياق، قال فيجاي جوكهال، السفير الهندي السابق لدى بكين، في مقال رأي نُشر في صحيفة "تايمز أوف إنديا"، إن الصين والهند لا تزالان تتباينان في المصالح. لكنه أضاف أن الصين وفرت للهند ودول نامية أخرى ثقلًا موازنًا أساسيًا في وجه "الفوضى الترامبية"، كمصدر لرأس المال والتكنولوجيا، وشريك في مكافحة تغير المناخ.
وكتب جوكهال: "بدأت الصين تبدو أفضل من أي وقت مضى خلال السنوات الخمس الماضية".
مصالح مشتركة
ورغم هذا التقارب، لا تزال هناك قضايا عالقة تعكر صفو العلاقات، أبرزها النزاع الحدودي الممتد لمسافة 2100 ميل، وعلاقة الصين الوثيقة بخصم الهند التقليدي باكستان، وسعي نيودلهي لجذب الاستثمارات الصناعية التي تحاول تقليل اعتمادها على السوق الصينية.
كما أن المنافسة على النفوذ في المحيط الهندي تمثل تحديًا إضافيًا، حيث يُعد الممر البحري الحيوي لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، مشروع البنية التحتية العالمي لتعزيز شبكات الإمداد الصينية.
بكين، أبدت تفاؤلًا حذرًا تجاه هذه الانفتاحة الهندية، مدركة أن بعض الخطوات قد تكون مجرد مناورة سياسية لمواجهة الضغوط الأمريكية. وفي هذا الإطار، دعا الرئيس شي جين بينج مطلع العام الجاري إلى علاقة تشبه "رقصة التنين والفيل"، في إشارة رمزية إلى البلدين، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
لكن الصين لم تتخل عن سياساتها الحازمة، إذ واصلت تعزيز بنيتها التحتية العسكرية على الحدود وبناء طرق وسكك حديدية يمكن أن تخدم الجيش الصيني. وفي الوقت نفسه، لا تزال الهند متوجسة من النوايا الصينية بعد تجربة مؤلمة في عام 2020 عندما اندلعت مواجهات دامية في جبال الهيمالايا.
ويرى محللون تحدثوا إلى الصحيفة الأمريكية، أن نهج الهند الحالي تحكمه اعتبارات استراتيجية، إذ تسعى للاستفادة من خلافها مع واشنطن لتخفيف الضغوط، دون تقديم تنازلات جوهرية لبكين، التي بدورها تؤكد أنها لن تقدم تنازلات في ملفات تمس مصالحها الوطنية مثل دعمها القوي لباكستان.