الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعد حادث غزة.. "بروتوكول هانيبال" خيار إسرائيل المؤلم لمنع أسر جنودها

  • مشاركة :
post-title
القوات الإسرائيلية تواصل عملياتها البرية في قطاع غزة

القاهرة الإخبارية - متابعات

أعادت محاولة فصائل المقاومة الفلسطينية أسرَ أحد جنود الاحتلال، اليوم الاثنين، خلال اشتباكات شرقي قطاع غزة، تفعيلَ "بروتوكول هانيبال"، وهو الإجراء الأخطر في عقيدة الجيش الإسرائيلي لمنع وقوع جنوده في الأسر.

وفعّل جيش الاحتلال، اليوم الاثنين، "بروتوكول هانيبال" خلال اشتباكات شرق قطاع غزة، عقب محاولة فصائل المقاومة الفلسطينية أسر جندي، عثر عليه مقتولًا.

ويُعد بروتوكول "هانيبال" أحد أكثر الإجراءات العسكرية الإسرائيلية إثارةً للجدل، إذ يُتيح استخدام قوة نارية مكثفة في موقع الحدث لمنع أسر الجنود، حتى لو أدى ذلك إلى مقتل الجندي نفسه. هذا المبدأ العسكري القاسي يهدف إلى تجنّب سيناريوهات تبادل الأسرى، التي تعتبرها إسرائيل إخفاقًا استراتيجيًا. ويصفه معارضوه داخل إسرائيل بأنه "خيار وحشي" يضحّي بالجنود بدلًا من تحريرهم.

موت الجنود بدلا من الأسر

عاد البروتوكول إلى الواجهة بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، عندما أسرت فصائل المقاومة الفلسطينية مئات الإسرائيليين، وردّ جيش الاحتلال حينها بقصفٍ مكثفٍ استهدف حتى مواقع جنوده.

تجسّد عقيدة بروتوكول "هانيبال" مقولة مفزعة باتت أساسًا في سياسة جيش الاحتلال الإسرائيلي: "موت الجندي أفضل من وقوعه في الأسر". فوفقًا لهذا التوجيه العسكري، يتم التعامل مع أي محاولة أسر على أنها تهديد إستراتيجي لا يقل خطورة عن الهجمات المباشرة، وهو ما يبرر – بنظر قادة الجيش – استخدام أقصى درجات العنف لإفشالها، حتى لو تطلب الأمر التضحية بالجندي المختطَف نفسه.

يحدّد البروتوكول بشكل صارم الإجراءات الواجب اتخاذها فور الاشتباه بمحاولة أسر، وتشمل هذه الإجراءات فتح نيران كثيفة وعشوائية تجاه الموقع المستهدف، بهدف قتل الآسرين – وربما الأسير أيضًا – دون انتظار أوامر من القيادة العليا.

ويُمنح القائد المحلي صلاحية اتخاذ القرار الفوري، نظرًا لأن اللحظات الأولى لأي عملية أسر تُعد حاسمة. ويرتكز هذا التوجه على مبدأ "الأرض المحروقة"، حيث يُضحّى بكل شيء لمنع استغلال الجندي كأسير في صفقات تبادل قد تُجبر إسرائيل على دفع أثمان سياسية وأمنية باهظة، كما حدث في صفقات سابقة.

يُذكر أن أبرز تطبيقات "هانيبال" كانت في مدينة رفح (جنوب غزة) عام 2014، وأسفرت عن مئات الضحايا الفلسطينيين، بينما فشل البروتوكول في إنقاذ الجندي المستهدف. ومن بين 11 حالة نُفِّذ فيها البروتوكول، نجا جندي واحد فقط.

أصل التسمية

تتباين الروايات حول سبب تسمية البروتوكول العسكري الإسرائيلي بـ"هانيبال"، إذ يرى البعض أن الاسم يعود إلى القائد القرطاجي الشهير "حنبعل برقا"، الذي أنهى حياته بسمٍّ قاتل لتفادي أَسره من قِبل الرومان.

بينما تشير مصادر أخرى إلى أن التسمية اختيرت عشوائيًا عبر نظام حاسوبي تابع للجيش الإسرائيلي قبل نحو ثلاثة عقود، عند تطوير البروتوكول على يد ثلاثة من كبار الضباط.

إسرائيل وحدها تطبّقه

يُعد هذا البروتوكول فريدًا من نوعه عالميًا، إذ لا يُستخدم في أي جيش آخر، ما يسلّط الضوء على طبيعته الاستثنائية والجدلية. وقد طُبّق مرارًا في عمليات داخل قطاع غزة، وأثار انتقادات من منظمات حقوقية ومن داخل إسرائيل نفسها، لكونه يعرض حياة الجنود والمدنيين للخطر.

انتقادات ومخاوف أخلاقية

رغم اعتباره أداة استراتيجية لحماية أمن الدولة، يواجه "بروتوكول هانيبال" هجومًا من بعض النخب العسكرية والحقوقية في إسرائيل، معتبرين أنه يتناقض مع المبادئ الأخلاقية والعسكرية الأساسية، خصوصًا وأنه يضحّي بجندي إسرائيلي لمنع أسره، مما يطرح تساؤلات عن القيمة الحقيقية لحياة الجندي في حسابات الجيش.

صفقات مؤلمة

يعود أصل بروتوكول "هانيبال" إلى العام 1985، حينما أبرمت إسرائيل صفقة تبادل أسرى وُصفت بـ"غير المتكافئة" مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، برئاسة أحمد جبريل، وأُطلق عليها اسم "صفقة الجليل". حينها، تم الإفراج عن 1150 أسيرًا فلسطينيًا مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين فقط، ما أحدث صدمة داخل الأوساط العسكرية والسياسية في إسرائيل، وكرّس قناعة بضرورة منع تكرار مثل هذه الصفقات بأي وسيلة.

وفي أعقاب أسر حزب الله اللبناني لجنديين إسرائيليين (يوسف فينك ورافائيل الشيخ) بعد خمسة أشهر فقط، تم إدخال "توجيه هانيبال" إلى الخدمة رسميًا عام 1986. فكرته الأساسية: منع وقوع أي جندي إسرائيلي في الأسر، حتى لو تطلّب الأمر القضاء عليه.

مَن صاغ البروتوكول؟

صاغ البروتوكول رئيس القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي آنذاك، يوسي بيليد، بالتعاون مع لجنة ضمت كبار الجنرالات مثل أوري أور، وعُمرام ليفين، ورئيس الأركان السابق غابي أشكنازي، ومستشار الأمن القومي الجنرال يعقوب أميدرور.

سرية مطلقة ونسختان غامضتان

ظل "توجيه هانيبال" طيّ الكتمان لأكثر من عقد، إذ فرضت الرقابة العسكرية الإسرائيلية حظرًا مشددًا على تغطيته إعلاميًا أو حتى مناقشته علنًا. ولم يُكشف عنه جزئيًا إلا في عام 2003، بعد أن دعا طبيب خدم في الجيش إلى إلغائه، ما أدى إلى رفع جزئي للسرية عنه.

ويُعتقد أن للبروتوكول نسختين: الأولى سرية مكتوبة لا يطّلع عليها سوى كبار قادة الجيش، والثانية شفوية تُوجَّه إلى القادة الميدانيين والمستويات الأدنى، وهو ما يُكرّس غموضه ويزيد من الجدل حول مدى قانونيته وأخلاقيته.

بروتوكول يثير جدلًا داخل إسرائيل

منذ إقراره رسميًا، لم يتوقف الجدل في الأوساط العسكرية والسياسية الإسرائيلية حول بروتوكول "هانيبال"، الذي يقضي بمنع وقوع الجنود أسرى لدى العدو بأي ثمن، حتى لو أدى ذلك إلى قتلهم. وتركزت الانتقادات على الجوانب الأخلاقية والقانونية لهذا التوجيه، وما قد يترتب عليه من انتهاكات جسيمة.

لأعوام، ظل التوجيه غامضًا في نصّه ومفتوحًا لتأويلات متعددة. ووفقًا لتحقيق لصحيفة هآرتس، رفض أحد قادة الكتائب عرض "هانيبال" على جنوده، مبررًا ذلك بأنه "غير قانوني".

وفي الميدان، تصرّف القادة العسكريون وفق اجتهاداتهم الخاصة. فأحد ضباط كتيبة جولاني، بحسب تقارير، أصدر تعليمات لجنوده بتفجير أنفسهم بقنابل يدوية إذا شعروا بأنهم معرضون للأسر. فيما أمر العقيد موتي باروخ، القائد السابق للواء ناحال، باستهداف مركبات الخاطفين، حتى لو أدى ذلك إلى مقتل الجندي المختطَف.

هذا التوجه أثار اعتراضات منظمات حقوقية داخل إسرائيل، أبرزها "جمعية الحقوق المدنية"، التي طالبت النائب العام الأسبق يهودا وينشتاين بالتدخل الفوري، مشددة على أن أوامر كهذه "غير قانونية"، وتمثل خرقًا صارخًا لقوانين الحرب وحقوق الإنسان، خاصةً مع احتمالية الإضرار بالمدنيين أو بالجندي نفسه.