الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عملية "نارنيا".. كيف واجهت إيران محاولة إسرائيل تدمير برنامجها النووي؟

  • مشاركة :
post-title
لافتة في طهران تظهر صور الإيرانيين الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في عمليات متزامنة نُفذت قبل فجر 13 يونيو، استهدفت إسرائيل منازل كبار العلماء النوويين الإيرانيين بانفجارات مدمرة أسفرت عن مقتل تسعة من أبرز خبراء تطوير البرنامج النووي الإيراني، وبعد أحد عشر يومًا، وقبل ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، قُتل عالم عاشر هو صدقي صابر في شمال إيران، وفقًا لما أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.

تفاصيل العمليات

في عمليات متزامنة نُفذت قبل فجر 13 يونيو، وعلى مدار 11يومًا استهدفت إسرائيل منازل كبار العلماء النوويين الإيرانيين بانفجارات مدمرة أسفرت عن مقتل أبرز خبراء تطوير البرنامج النووي الإيراني، وفقًا لما أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال".

وأطلقت إسرائيل على هذه العمليات الاستثنائية اسم "عملية نارنيا" نسبة إلى سلسلة الكاتب البريطاني سي إس لويس الخيالية، نظرًا لطبيعة العملية التي بدت "خيالية" حتى لمخططيها أنفسهم.

هذه العملية استهدفت تدمير واحدة من أثمن الأصول الإيرانية، وهي النخبة العلمية التي عملت في برنامج سري لتطوير الأسلحة النووية استمر حتى عام 2003 على الأقل، وظلت إسرائيل تتتبع هؤلاء العلماء عن كثب منذ ذلك الحين.

نُفذت الهجمات بشكل متزامن تقريبًا لمنع العلماء المستهدفين من الاختباء أو الفرار، وفقًا لمصادر مطلعة على العمليات. وبعد أسبوع من هجمات 13 يونيو، استخدمت إسرائيل طائرة بدون طيار لقتل عالم آخر كان مختبئًا في ما كان من المفترض أن يكون بيتًا آمنًا في طهران، وإن لم يتم الكشف عن هويته.

كما قصفت إسرائيل الأسبوع الماضي مقر منظمة "سبند" في طهران، وهي المنظمة التي حلت محل مشروع "أماد" النووي السري الإيراني وتواصل الأعمال المتعلقة بتطوير الأسلحة النووية بطريقة أكثر سرية.

خبرات حساسة

معظم العلماء المغتالين كانوا يمتلكون خبرة عملية فريدة في اختبار وبناء مكونات الرؤوس الحربية النووية، بما في ذلك أنظمة التفجير والمتفجرات عالية القوة ومصادر النيوترونات التي تؤدي إلى التفاعل المتسلسل.

من بين أبرز الضحايا فريدون عباسي ديواني، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية وأحد مؤسسي الأعمال المرتبطة بالأسلحة النووية الإيرانية، الذي ركّز عمله العلمي على تطوير الجهاز الذي يطلق النيوترونات في قلب السلاح لإثارة التفاعل المتسلسل، وفقًا لديفيد ألبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي.

نجا عباسي ديواني من محاولة اغتيال بسيارة مفخخة عام 2010 في اليوم نفسه الذي قُتل فيه عالم نووي إيراني آخر، وصرح أخيرًا في مقابلة تلفزيونية بثقة قائلًا: "لدى إيران كل المعرفة التي تحتاجها لسلاح نووي. إذا طلبوا مني بناء قنبلة، فسأبنيها".

من بين الضحايا أيضًا محمد مهدي ترانشي، الذي قاد وحدة تحت إشراف محسن فخري زاده تركز على المتفجرات عالية القوة اللازمة لتفجير سلاح نووي، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية.

أصبح "ترانشي" لاحقًا أستاذًا في قسم الفيزياء بجامعة شهيد بهشتي في طهران، إذ عمل عدد كبير من العلماء النوويين، بما في ذلك عباسي ديواني، كما يوضح المحلل الأمني الإسرائيلي رونين سولومون.

أما الهدف الأخير، السيد صدقي صابر، فكان رئيس مجموعة شهيد كريمي الأساسية، التي تدير مشاريع متعلقة بالمتفجرات لبرنامج "سبند".

وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه في 12 مايو الماضي، مشيرة إلى أن "صدقي صابر مرتبط بمشاريع تشمل البحث والاختبار القابل للتطبيق على تطوير أجهزة متفجرة نووية".

التأثير على البرنامج النووي

يقول إريك بروير، مدير مكافحة الانتشار النووي السابق: "فقدان هذه الخبرة مختلف تمامًا إذا كنت في منتصف محاولة بناء قنبلة، فسيكون التأثير أكبر بكثير".

وادعى نتنياهو أن العمليات أخّرت البرنامج النووي الإيراني لسنوات، وهو ما أكده أندريا ستريكر من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن الاغتيالات دمرت "الخزان الفكري للعلماء النوويين" ووجهت ضربة لقدرة إيران على الاستفادة من ذوي الخبرة في بناء مكونات الأسلحة النووية.

استراتيجية إيران

رغم نجاح العمليات الإسرائيلية في القضاء على قادة البرنامج النووي، تكشف تقارير "وول ستريت جورنال" عن وجود نظام طورته إيران للحفاظ على خبرتها في مجال الأسلحة النووية وتطويرها، ما سمح لبرنامجها النووي بالتقدم حتى أثناء قتل كبار علمائها.

استخدمت إيران جامعات مثل "شهيد بهشتي" و"مالك الأشتر" للحفاظ على الخبرة النووية العسكرية على مدى العقدين الماضيين. في هذه الجامعات، تقوم إيران بربط علمائها النوويين بالطلاب الأصغر سنًا في التجارب والدراسات المختلفة، ما يضمن انتقال المعرفة عبر الأجيال، كما يوضح المحلل الأمني الإسرائيلي رونين سولومون.

يقدم مثال حي على هذا النظام حالة اثنين من العلماء المقتولين في هجمات 13 يونيو، وهما أحمد رضا ذوالفقار وعبد الحميد مينوشهر، اللذان تعاونا معًا في نشر بحث علمي متقدم في مجلة "حوليات الطاقة النووية" في يونيو 2025، أي قبل شهر واحد فقط من اغتيالهما، واستخدم البحث تقنيات النمذجة الحاسوبية المتطورة والمحاكاة الرقمية لدراسة وتحليل كيفية تصرف وسلوك مصادر النيوترونات أثناء حدوث التفاعل النووي المتسلسل، وهي معلومات علمية حساسة ذات استخدام مزدوج.

هذه المعرفة العلمية المتخصصة يمكن توظيفها بطريقتين مختلفتين تمامًا، الأولى سلمية ومدنية مثل تصميم وبناء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء أو لأغراض البحث العلمي، والثانية عسكرية تتمثل في استخدامها للمساعدة في إثارة وتحفيز التفاعل النووي المتسلسل داخل السلاح النووي، ما يجعل هذا النوع من البحوث محل مراقبة دولية مشددة من قبل الوكالات الاستخباراتية والمنظمات الدولية.

كما احتفظت إيران لسنوات بأرشيف نووي يفصل كل الأعمال التي نفذتها قبل 2003، إضافة إلى خطط طهران المستقبلية. وتشير تقارير وكالة الطاقة الذرية إلى أن إيران كان لديها برنامج متعلق بالأسلحة النووية، يُعرف باسم مشروع "أماد"، حتى عام 2003.

ويقول مسؤولون إسرائيليون وغربيون للصحيفة إن عمل إيران في مجال الأسلحة النووية استمر بطريقة أكثر سرية منذ ذلك الحين، ما ترك إيران على بُعد أشهر من القدرة على بناء قنبلة، لكن معظم هذا العمل اقتصر على الدراسات والنمذجة الحاسوبية، المصممة دائمًا بعناية لتُفسر كعمل عسكري تقليدي.