الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الاستقرار في بحر العواصف.. استراتيجية مصر لحماية مقدراتها بعد 30 يونيو

  • مشاركة :
post-title
استطاعت مصر الحفاظ على مقدرات شعبها عقب ثورة 30 يونيو عام 2013

القاهرة الإخبارية - مصطفى لبيب

في وقت شهدت فيه المنطقة العربية اضطرابات وحروبًا أهلية وصراعات إقليمية ودولية منذ عام 2011، نجحت مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 في حماية مقدراتها الوطنية وبناء جدار أمني وسياسي يحفظها من التورط في النزاعات الإقليمية، مع الحفاظ على دورها الإقليمي الرائد والفاعل.

واعتمدت مصر ـ تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ـ على تحقيق هذه المعادلة الصعبة وفق استراتيجية محكمة تتبنى مبدأ الأمن القومي والسيادة الوطنية، حيث أدركت القيادة السياسية المصرية أن الحفاظ على الاستقرار الداخلي، هو شرط أساسي لعدم الانجرار إلى صراعات خارجية.

استعادت مصر دورها الإقليمي والدولي خلال الأعوام الماضية، وعززت كافة مؤسساتها، وباتت تجربة التحول بعد الثورة نموذجًا يُدرّس في كيفية إعادة بناء الدول بعد الفوضى، بالإرادة الشعبية والرؤية الاستراتيجية.

الأمن القومي

ومن أجل ذلك اتخذت مصر العديد من الإجراءات الحاسمة لتعزيز الأمن القومي الداخلي، كان من أبرزها القضاء على الإرهاب في شبه جزيرة سيناء ، عبر العملية الشاملة للقوات المسلحة المصرية "سيناء 2018"، التي أنهت وجود تلك الجماعات الإرهابية في "أرض الفيروز".

وعقب ثورة 30 يونيو، كان تأمين الحدود أمرًا لا مفر منه، ومن أجل ذلك عملت القيادة السياسية على تطوير قدرات الجيش المصري والأجهزة الأمنية في البلاد، من خلال تحديث العتاد العسكري وزيادة التعاون مع الحلفاء الاستراتيجيين مثل روسيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

تأمين الحدود كان اولوية قصوى للقيادة السياسية المصرية
حماية الحدود

وأيضًا عملت الدولة المصرية، من خلال التعاون النشط مع الدول المجاورة مثل ليبيا والسودان، على تأمين حدودها بهدف منع تسلل العناصر المسلحة إلى الداخل المصري للقيام بعمليات إرهابية أو تهريب أسلحة أو الاتجار في مواد مخدرة عبر الحدود.

ذلك التعاون سواء مع الحلفاء الاستراتيجيين أو الدول المجاورة، جعل مصر قادرة بصورة كبيرة على حماية حدودها دون الحاجة إلى أي تدخلات خارجية، وهو ما قلل فرص التورط في صراعات الجوار، والعمل بدلًا من ذلك على وضع حلولًا لها.

سياسة متوازنة

استعدات مصر مكانتها على الساحة الدولية، من خلال دبلوماسية فاعلة، واستضافة فعاليات دولية كبرى، مثل منتدى شباب العالم ومؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ، كما وقعت مصر اتفاقيات استراتيجية لتحويلها إلى مركز إقليمي للطاقة، أبرزها مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا عبر البحر المتوسط، بتكلفة تفوق 4 مليارات يورو.

خارجيًا، اتبعت مصر سياسة مرنة تقوم على عدم الانحياز، حيث رفضت الانضمام إلى تحالفات للمشاركة في حروب بدول الجوار، وحافظت القيادة السياسية المصرية في الوقت ذاته، على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف.

وفي الوقت الذي تجنبت فيه مصر الاصطفاف في تلك الصراعات الإقليمية، مع حفاظها على نفوذ سياسي كبير، عملت القيادة السياسية على التركيز على الاقتصاد، من خلال تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة والتجارة، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي.

مصر قرارها أصبح سياديًا ومستقلا عن الضغوط الخارجية بفضل سياسات الدولة
القرار السيادي

ودخلت مصر مرحلة جديدة من البناء والتنمية، شملت إطلاق مشروعات قومية كبرى في مختلف القطاعات، من البنية التحتية والطاقة، إلى الإسكان والصحة والتعليم، في محاولة جادة لتعويض ما فاتها والانطلاق نحو المستقبل بثبات.

وقللت مصر من اعتمادها على الخارج، عبر القيام بمشروعات كبرى لتعزيز البنية التحتية مثل قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية والمنطقة الاقتصادية بالسويس، بخلاف مشروعات الطاقة المتجددة وزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي.

بجانب ذلك، تم التوسع منذ ثورة 30 يونيو في الصناعات الدوائية والغذائية، والقيام بجذب الاستثمارات الأجنبية، عبر تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات، ما قلل من تأثير الضغوط السياسية الإقليمية عليها واستقلال قرارها السيادي.

الملفات الإقليمية

ورأى العديد من الخبراء سواء الإقليميين أو الدوليين أن مصر تعاملت مصر بذكاء مع الملفات الإقليمية الشائكة، مثل الأزمة الليبية، حيث عملت منذ البداية على دعم مسار سياسي يوحد الفرقاء، ورفض أي تدخلات خارجية، ودعت دائما لإخراج الميليشيات المسلحة أو تفكيكها.

السيسي وقادة أوروبا

أيضًا تمسكت مصر بالحلول الدبلوماسية والقانونية، في أزمة ملف سد النهضة، كما دعمت ملف المصالحة الفلسطينية دون التورط في أي مواجهات عسكرية مع إسرائيل، ومنذ بداية الحرب على غزة، كانت حاضرة في جميع المواقف لمساندة الشعب الفلسطيني إقليميًا ودوليًا للحصول على حقه في دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967.

تحالفات دولية

نجحت الدولة المصرية في تحقيق معادلة صعبة بعد 30 يونيو، تمثلت في الحفاظ على الاستقرار الداخلي كأولوية قصوى، والابتعاد عن الصراعات دون التخلي عن النفوذ الإقليمي، والاعتماد على الاقتصاد كأداة للقوة الناعمة.

كل ذلك جعل مصر، تظهر كنموذج لدولة إقليمية تستطيع حماية مقدراتها وسط عواصف المنطقة مع الحفاظ على دورها التاريخي، وتوازن العلاقات مع القوى الكبرى، سواء إفريقيًا أو عربيًا أو أوروبيًا، ما جعل للقاهرة شبكة علاقات تحميها من العزلة أو الضغوط الدولية.

وتعتبر ثورة 30 يونيو بمثابة معجزة سياسية وشعبية أنقذت مصر من مصير مجهول، وكتبت شهادة ميلاد جديدة لوطن يستحق الحياة، فبفضل هذه الثورة، عادت الدولة لتقف شامخة، وتحقق ما لم يكن يتخيله أحد في سنوات معدودة، حيث تم إنجاز مشروعات عملاقة غيرت وجه مصر، وجعلت العالم يقف احترامًا لتجربة بلد قرر أن "يحيا بعزة وكرامة" رغم التحديات.