الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من مفاعل تموز إلى نطنز.. كيف تكرر إسرائيل انتهاك القرار 487؟

  • مشاركة :
post-title
استهداف مفاعل نطنز الإيراني

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في يونيو 1981، دعا مجلس الأمن الدولي إسرائيل صراحةً في قراره رقم 487 إلى "وقف أي عمليات مماثلة مستقبلاً" بعد هجومها على مفاعل تموز/أوزيراك العراقي، واليوم وبعد أربعة عقود، لا تكتفي إسرائيل بتجاهل تلك الدعوة الأممية، بل تخوض حربًا مباشرة مع إيران باستخدام نفس المبررات النووية، ما يطرح تساؤلات جدية حول مصداقية القرارات الدولية وقدرة المجتمع الدولي على منع التصعيد العسكري في المنطقة.

الانتهاك المتكرر

عندما أصدر مجلس الأمن القرار 487 بالإجماع (15 صوتًا موافقًا دون اعتراضات أو امتناع) في 19 يونيو 1981، كان واضحًا في دعوته إسرائيل لـ"وقف أي عمليات مماثلة مستقبلًا" بعد هجومها على مفاعل أوزيراك العراقي الذي كان مدنيًا خاضعًا لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، غير أن إسرائيل لم تكتف بتجاهل هذه الدعوة، بل صعدت من عملياتها عبر العقود اللاحقة.

اليوم تخوض إسرائيل حربًا مباشرة مع إيران دخلت يومها الثامن، واستهدفت منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم وهددت بضرب منشأة فوردو النووية المحصنة تحت الجبل، بينما ردَّت إيران بموجة صواريخ أسفرت عن عشرات الإصابات.

وفقاً للتقارير والصور الفضائية، نجت أهم المواقع النووية الإيرانية في نطنز وفوردو من أضرار كبيرة، لكن التهديدات الإسرائيلية المستمرة تشير إلى تصعيد خطير، ما يمثل انتهاكًا صارخًا لروح القرار 487 الذي حذر من أن مثل هذه الهجمات "تهدد مصداقية ضمانات الوكالة للنظام النووي العالمي".

استهداف مفاعل تموز/أوزيراك العراقي
الحجة النووية من بغداد إلى طهران

كما في عام 1981، تستخدم إسرائيل اليوم نفس المبرر النووي الذي أقر القرار 487 بأنه لا يبرر الانتهاك الواضح لميثاق الأمم المتحدة والقواعد الدولية، إذ إن المفاعل العراقي آنذاك كان مدنيًا يخضع للرقابة الدولية، وإيران تؤكد اليوم أن برنامجها النووي سلمي ومُراقب من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستشهد بالبرنامج النووي الإيراني كمبرر للضربات الاستباقية، مُكررًا نفس الخطاب الذي استخدمته إسرائيل عام 1981 في عملية "أوبرا" ضد العراق، ما يؤكد أن تل أبيب تتبع نهجًا ثابتًا في التعامل مع القضايا النووية الإقليمية بالقوة العسكرية، متجاهلة القرارات الأممية.

التناقض الأكثر إثارة

يبرز التناقض الأكثر إثارة في موقف إسرائيل من خلال تجاهلها لبند أساسي في القرار 487 الذي حث "إسرائيل على إخضاع منشآتها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، فرغم مرور أربعة عقود على صدور القرار، "لم تضع إسرائيل منشآتها تحت رقابة الوكالة"، ما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1983 إلى مطالبتها بالتقيد بهذا الإقرار.

هذا التناقض يكشف عن ازدواجية المعايير الإسرائيلية، فبينما تهاجم الدول الأخرى بحجة برامجها النووية المُراقبة دوليًا، تحتفظ هي ببرنامج نووي غير خاضع للرقابة الدولية.

كما أن القرار 487 اعترف بـ"حق العراق السيادي في تطوير برامج تقنية وسلمية نووية تحت إشراف دولي"، وهو نفس الحق الذي تحرم إسرائيل إيران منه اليوم.

عملية محدودة وحرب شاملة

بينما كان الهجوم على مفاعل أوزيراك عملية جوية محدودة استغرقت دقائق، يشهد الصراع الحالي بين إسرائيل وإيران تصعيدًا خطيرًا يهدد بتوسع الحرب إقليميًا.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا إلى "الاستسلام غير المشروط" لإيران، وحذَّر من أن صبر الولايات المتحدة ينفد، بينما صرح قائلًا "قد أفعلها، وقد لا أفعلها" في إشارة لضربة أمريكية محتملة، مضيفًا "لا أحد يعرف ما سأفعله".

ترامب اجتمع مع فريق الأمن القومي في واشنطن لأكثر من ساعة لمناقشة الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط، ما أثار تكهنات جديدة بأن الولايات المتحدة على وشك الانضمام لهجوم إسرائيل على إيران.

هذا التطور يأتي بينما هددت جماعات مدعومة من إيران بأن القواعد الأمريكية في المنطقة "ستصبح أشبه بساحات صيد البط" إذا دخلت الولايات المتحدة الحرب.

حق التعويضات والمسؤولية الدولية

القرار 487 أقر بشكل واضح "حق العراق في التعويضات عن الأضرار، حيث أقرّت إسرائيل بمسؤوليتها" عن الهجوم، ما يطرح تساؤلات حول حق إيران في التعويضات عن الأضرار الحالية، خاصة أن الصراع الجاري أوسع وأكثر تدميرًا من الهجوم المحدود على المفاعل العراقي.

إسرائيل وانتهاك القرارات الأممية

تُظهر الإحصائيات الرسمية أن إسرائيل تتصدر قائمة الدول التي تتجاهل قرارات مجلس الأمن الدولي، إذ انتهكت 32 قرارًا شملت إدانة أو انتقاد سياساتها وإجراءاتها منذ عام 1968.

كما حجبت الولايات المتحدة على مدى الخمسة عقود الماضية ما لا يقل عن 53 قرارًا في مجلس الأمن ينتقد إسرائيل.

وفي عام 2016 وحده، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة 18 قرارًا يدين إسرائيل، إضافة إلى قرارات أخرى في مجلس حقوق الإنسان.

هذا السجل الطويل من تجاهل القرارات الأممية يُظهر نمطًا ثابتًا في السلوك الإسرائيلي، حيث تتعامل إسرائيل مع قرارات مجلس الأمن والمحكمة الدولية "كما لو أن لا المجلس ولا المحكمة تحدثا، كما لو أنه ليس لهما سلطة وكما لو أن قراراتهما غير ملزمة"، وفق ما جاء في رسالة فلسطينية رسمية للأمم المتحدة عام 2024.