الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سعاد حسني.. لغة أداء فني غير قابلة للتكرار

  • مشاركة :
post-title
الفنانة المصرية سعاد حسني

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

"أنا لا شيء من غير مخرج ومؤلف وكل زملائي".. جملة مُختصرة قالتها النجمة الراحلة سعاد حسني، تصف بها نفسها في لقاء تلفزيوني قديم، رغم كل النجاح الذي حققته في عالم الفن، لكنها بهذه الكلمات لا تقصد التقليل من شأنها، فهي تعتز بنفسها تمامًا مثل شخصيتها في فيلمها الشهير "خلي بالك من زوزو"، بل تريد أن تعطي الحق، وتعلي من شأن كل من شاركها في مشوارها الفني.

سعاد حسني التي ولدت في مثل هذا اليوم 26 يناير عام 1943، بأحد الأحياء الشعبية في القاهرة، عاشت طفولتها وسط أجواء فنية، فوالدها كان مطربًا وعاشقًا للغناء ويعمل خطاطًا، وأيضًا بعض من أفراد عائلتها من ناحية الوالد لديهم ميول فنية، وسبقتها أختها نجاة الصغير من والدها إلى عالم الشهرة، لذا تحمس الأب لموهبة ابنته الصغيرة ذات الملامح الجميلة، عندما كان يراها ترقص وتغني في المناسبات العائلية، وتوقع لها أن تمضي قدمًا نحو عالم الفن.

إحساس الأب تجاه ابنته بأنها تمتلك مقومات فنية خاصة كان صادقًا للغاية، فكل من كان يراها ينتابه نفس الشعور، حتى صديق العائلة الشاعر والفنان والمؤلف عبد الرحمن الخميسي، الذي ساعدها على المشاركة في برنامج الأطفال الإذاعي الشهير "بابا شارو"، وفوجئ الجميع بالطاقة الفنية التي تمتلكها، فرغم أنها كانت أحيانا تشعر بالإرهاق من الاستيقاظ مبكرًا وتجارب ما قبل التسجيل، لكن لحظة بدء البرنامج تطلق العنان لموهبتها غير عابئة بأي تعب.

تعترف سعاد حسني بأهمية دور عبد الرحمن الخميسي في مسيرتها الفنية، فهو من رشحها وعمرها 16 عامًا لتصبح بطلة في رائعة هاني بركات الرومانسية "حسن ونعيمة"، وشاركها البطولة وقتها الوجه الجديد محرم فؤاد، فالمخرج راهن على الموهبة الجديدة بعد اعتذار فاتن حمامة عن الدور، وصدقت توقعاته مع النجاح الكبير للفيلم الصادر عام 1959.

ومع النجاح الكبير لـ "حسن ونعيمة" تعددت أفلام سعاد حسني في السينما المصرية، ففي العام التالي مباشرة عرض لها في السينما 5 إصدارات هي "مال ونساء" و"غراميات امرأة" و"إشاعة حب" و"3 رجال وامرأة" وإحدى حكايات فيلم "البنات والصيف" الذي يسجل الحضور الأول والوحيد لها أمام عبد الحليم حافظ، إذ لم تشأ الظروف أن يتكرر مرة أخرى رغم وجود مشروعات فنية لم تأخذ مسارًا جديًا.

سعاد حسني وصلاح جاهين

إيمان كل من شاهد سعاد حسني بأنها ستصبح نجمة لم يتوقف عند الأب وعبد الرحمن الخميسي فقط، إذ صدّقها جمهورها داخل السينما، وصنّاع الأفلام والفنانون الذي يراقبون صعود الفنانة الشابة، ومن ضمنهم الشاعر والمؤلف صلاح جاهين الذي نهض من على مقعده بإحدى دور العرض السينمائية الشهيرة، بوسط البلد عندما شاهدها في فيلم سينمائي وقال لأصدقائه: "هذه الفتاة ستكسر الدنيا"، لكن اللقاء الأول بينهما كان بالصدفة في روسيا عام 1972، وقت تصويرها فيلم بعنوان "الناس والنيل" مع المخرج صلاح جاهين، ليتعرّف عليها عن قرب ويشكلان بعد ذلك ثنائيًا فنيًا بامتياز، توج بفيلمها الأشهر "خلي بالك من زوزو" تأليف حسن الإمام وكتب السيناريو والحوار له جاهين، كما كتب أغاني الفيلم أيضًا، وحقق العمل نجاحًا كبيرًا واستمر عرضه في السينما لمدة عام كامل، محققًا رقمًا قياسيًا خاصًا.

الثنائي سعاد حسني وصلاح جاهين اشتركا في حبهما الشديد للفن، وتعدد مواهبهما فالأولى تمثل وتغني وتقدم استعراضات، والثاني شاعر ومؤلف ويجيد الأداء التمثيلي فضلًا عن موهبته في رسم الكاريكاتير، لتجمعهما صداقة قوية خصوصًا مع وجود صفات أخرى روحانية، منها أن النجمين اللذين ملآ الدنيا سعادة كانا لا يعبران عن أحزانهما ويحتفظان بها، وكانت النجمة الملقبة بـ "السندريلا" تطمئن لوجوده في أي عمل فني وتأخذ رأيه في أعمال أخرى.

الراعي والنساء

سعاد حسني رغم مرور السنوات لم تفقد حماسها الذي تبدأ به تصوير أي عمل فني، فكما نسيت الإرهاق وقت أن كانت طفلة في "بابا شارو"، تجاهلت مرضها ومعاناتها من كسر في ظهرها أيام تصوير فيلمها السينمائي الأخير "الراعي والنساء" عام 1991، الذي تعاونت فيه مع زوجها السابق والصديق الدائم المخرج علي بدرخان، بل وافقت على الفيلم من أجله، خصوصًا أن سبقه فترة غياب طويلة لها، وكانت لديها خطط مغايرة للعودة لكنها لم ترفض طلب الصديق عندما عرض عليها الفيلم.

البساطة 

ليس التوهج الفني أمام كاميرات التصوير الأمر الوحيد الذي لم يتغير في سعاد حسني، بل احتفظت بحالة التصالح مع النفس، ولم تعرف الغرور الفني المُصاحب للشهرة، بل كانت في تعاملاتها الإنسانية بسيطة للغاية، الأمر الذي يؤكد عليه الفنان الراحل وصديقها عزت العلايلي، الذي جمعته بها عدة أعمال فنية إذ يقول في لقاء تلفزيوني قديم: في كواليس أعمالها تميزت بالبساطة الشديدة، وكنا وقت تصوير فيلم "على من نطلق الرصاص" عام 1975 نخرج من الاستوديو أثناء فترة الراحة، لنذهب إلى سيدة بسيطة تقف بالخارج في الشارع تبيع مأكولات شعبية، ونجلس بجوارها لنتناول وجبة الإفطار"، إذ كانت تتصرف بعفوية تامة، وتحب الاختلاط بالناس من حولها وتعتبرهم ثروتها الحقيقية.

صغيرة على الحب

صدق سعاد حسني في التعامل مع المحيطين بها، كان متواجدًا أيضًا في الوقوف أمام الكاميرا، فهي اتبعت مدرسة التمثيل من منطلق الوعي، بمعنى أنها تكون واعية لما تقدمه في ظل يقظة دائمة تمنعها من الاندماج الكامل في الأداء بل اندماج موظف قادر على توصيل الأحاسيس والمشاعر للمتلقي، ولم تنحصر داخل منطقة معينة من الأدوار، وفي العمل الواحد كانت قادرة على أن تجسد شخصيتين متغايرتين سواء في العمر مثلما رأينا في فيلم "صغيرة على الحب" مجسدة دور بنت صغيرة وأيضًا شابة كبيرة، أو دورها البارز في فيلم "بئر الحرمان" مؤدية دور "ناهد" التي تعاني من انفصام في الشخصية لنشاهدها في النهار فتاة عادية، وفي الليل تتحول إلى فتاة ليل.

ومع كل عمل فني كانت السندريلا تكتسب لغة أداء جديدة لتقدم العديد من الأدوار المهمة في مسيرتها الفنية، جعلتها نموذجًا لا يتكرر رغم كثرة المحاولات من صنّاع السينما، ويترك رحيلها عام 2001 فراغًا فنيًا كبيرًا.