في الشرق الأوسط تدق طبول معركة لا يعرف أحد إن كانت ستمر بسلام أم ستُغرق المنطقة في لهيب حرب شاملة؟.. فالتوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران تجاوز عتبة التصريحات والتهديدات، ليقترب أكثر من حافة الاشتعال الكامل، وبينما يدعو العالم لضبط النفس، يهمس المنطق المظلم بأسوأ السيناريوهات: ماذا لو لم تجد الدعوات نفعًا؟.. ماذا لو انفلت زمام الأمور؟
وحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية فإن هناك سيناريوهات كارثية محتملة إذا تصاعد الصراع بين الطرفين وتحول إلى مواجهة إقليمية أو حتى عالمية.
أمريكا تتورط في تحالف صامت
رغم النفي الأمريكي الرسمي، تعتقد إيران أن واشنطن قدّمت دعمًا ضمنيًا للهجمات الإسرائيلية الأخيرة، سواء عبر المعلومات الاستخباراتية أو عبر الصمت المريب، هذا الاعتقاد قد يدفع طهران إلى الرد مباشرة على المصالح الأمريكية في المنطقة.
وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، اليوم الأحد، خلال لقائه بسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المقيمين في طهران، إن طهران تمتلك وثائق تؤكد دعم قواعد أمريكية في المنطقة للهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران، مُعتبرًا أن "أمريكا شريكة في هذا التصعيد، وعليها أن تتحمل المسؤولية".
وجاءت تصريحات "عراقجي" عقب تصريح أدلى به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم، أكد خلاله أن الولايات المتحدة ليس لها أي علاقة بالهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، مُحذرًا من أن أي هجوم تتعرض له بلاده من طهران، سيُقابل برد عسكري أمريكي غير مسبوق وبأقصى درجات القوة.
من القواعد العسكرية في الخليج والعراق، إلى البعثات الدبلوماسية المنتشرة، تمتلك الولايات المتحدة سلسلة من الأهداف المحتملة التي قد تستهدفها إيران أو وكلاؤها، وقد بدأت واشنطن بالفعل في سحب بعض قواتها كإجراء احترازي، بالتزامن مع تحذيرات شديدة اللهجة لطهران من مغبّة أي تصعيد.
ماذا لو وقع المحظور؟
وفي تصريح له عبر منشور على منصة "إكس"، وصف السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكابي، الهجمات الإيرانية بأنها لا تستهدف الإسرائيليين فقط، بل تشمل أيضاً قرابة 700 ألف مواطن أمريكي يعيشون في إسرائيل.
فماذا لو قُتل أمريكي في تل أبيب أو في قاعدة عسكرية؟ حينها، قد يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نفسه مضطرًا للرد، في موقف لا يمكن تأجيله أو تجاهله.
ورغم وعود ترامب السابقة بعدم التورط في "حروب أبدية"، فإن أصواتًا جمهورية أخرى تضغط باتجاه دعم إسرائيل والسعي نحو "تغيير النظام" في إيران، وإذا انخرطت واشنطن عسكريًا، فإن المنطقة ستكون أمام تصعيد هائل لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
أهداف خليجية
إذا أخفقت طهران في ضرب أهداف إسرائيلية محصنة، فقد تنقل المعركة إلى منطقة الخليج، حيث توجد "أهداف أسهل" بحسب الاستراتيجية الإيرانية المحتملة.
وسبق أن اتُّهمت إيران بالوقوف خلف هجمات على منشآت نفطية سعودية في 2019، بينما استهدف الحوثيون حلفاؤها في اليمن أهدافًا في الإمارات عام 2022، ورغم بعض بوادر المصالحة الإقليمية، إلا أن دول الخليج لا تزال تستضيف قواعد أمريكية، ويُعتقد أن بعضها شارك، سرًا في اعتراض هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل في العام الماضي.
ضرب الخليج قد يجر هذه الدول، ومعها الولايات المتحدة، إلى صراع مفتوح، إذ قد تطلب هذه العواصم مساعدة الطيران الأمريكي مجددًا للدفاع عن أمنها القومي.
ماذا لو فشلت إسرائيل؟
السيناريو الأسوأ لإسرائيل لا يتمثل فقط في الرد الإيراني، بل في فشل الهجوم نفسه، فالمنشآت النووية الإيرانية محمية جيدًا، وتوجد معلومات غير مؤكدة عن تخزين نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، وهي كمية قريبة جدًا من مستوى الاستخدام العسكري.
قد تدفع هذه الضربة القيادة الإيرانية نحو قرار نهائي بتسريع برنامجها النووي للوصول إلى القنبلة، ليس بدافع الهجوم، بل للردع، وما يزيد المخاوف، هو أن بعض القادة الجدد في طهران يُعتقد أنهم أكثر تشددًا من أسلافهم.
إخفاق الضربة الإسرائيلية قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الهجمات المتبادلة، وهو ما يسميه الإسرائيليون "جزّ العشب"، أي تقليم قدرات العدو بشكل دوري دون القضاء عليه تمامًا، وهي استراتيجية لا تُبشّر بالاستقرار.
صدمة نفطية عالمية
مع ارتفاع أسعار النفط حاليًا، يثير الصراع مخاوف من كارثة اقتصادية جديدة، فإيران قد تُقدِم على إغلاق مضيق هرمز، شريان الطاقة العالمي، أو تحرّض الحوثيين في اليمن لتصعيد هجماتهم في البحر الأحمر.
مثل هذا السيناريو من شأنه أن يرفع أسعار النفط عالميًا، ما يُزيد من حدة التضخم، خاصة في ظل استمرار آثار الحرب التجارية التي أطلقها ترامب، والأزمات المعيشية التي تعصف بعدة دول.
اللافت أن المستفيد الأكبر من هذا الارتفاع قد يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سيحصل على مليارات إضافية من مبيعات الطاقة، ما يعزز قدرته على تمويل حربه في أوكرانيا.
سقوط النظام الإيراني
وإذا تحقق حلم إسرائيل الأكبر بانهيار النظام الثوري في طهران، فإن ذلك قد يفتح بابًا للفوضى، بدلًا من تحقيق الأمن.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أشار صراحة إلى أن هدفه لا يقتصر على وقف البرنامج النووي الإيراني، بل يمتد إلى تغيير النظام نفسه، لكن انهيار حكومة مركزية في دولة بحجم إيران سيطرح أسئلة مرعبة: من سيملأ الفراغ؟ هل تبدأ حرب أهلية؟ وهل تتكرر تجربة العراق وليبيا؟
في الماضي، أثبتت التجربة أن سقوط الأنظمة دون وجود بديل مستقر يؤدي إلى حروب أهلية، صعود ميليشيات، وغياب الحكم الرشيد، ما يحوّل الدولة إلى بؤرة نزاع دائم.
نهاية مجهولة
حتى الآن، لا تزال إيران توازن بين الرد والاحتواء، بينما تمارس الولايات المتحدة ضغطًا غير مباشر على إسرائيل، لكن المعادلة قابلة للتبدل في أي لحظة.
والسؤالان المحوريان اللذان سيحددان مصير المنطقة في الأيام المقبلة، وفق شبكة بي بي سي، هما: كيف، وبأي درجة من القوة سيتدرج الرد الإيراني؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة كبح جماح إسرائيل؟
الإجابات عن هذين السؤالين، على الأرجح، ستكتب سطور الفصل المقبل في تاريخ الشرق الأوسط.