الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حيل قديمة.. كيف دمرت "شبكة العنكبوت" الأوكرانية أهم طائرات روسيا؟

  • مشاركة :
post-title
صور أقمار صناعية ترصد طائرات روسية متضررة في قاعدة عسكرية

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

في أواخر خريف 2023، كان الطيران الروسي يقصف محطات الطاقة والمدن الأوكرانية بالصواريخ، وكانت دفاعات كييف الجوية هزيلة، بينما الرئيس فولوديمير زيلينسكي يريد أن يعرف كيف يمكنه الرد. عندها، طلب من رئيس استخباراته الجنرال فاسيل ماليوك، أن يفعل شيئًا.

كانت مهمة ماليوك، الذي اكتسب بمظهره الصارم سمعة طيبة بسبب العمليات المبتكرة التي نفذتها مسيّرات بحرية وجوية متفجرة، أجبرت روسيا على سحب جزء كبير من أسطولها في البحر الأسود شاقة. فالقاذفات الاستراتيجية التي أطلقت العديد من أقوى الصواريخ الروسية تعمل من خارج مدى أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية، وتمركزت في مطارات في جميع أنحاء البلاد على بُعد يصل إلى 3000 ميل من أوكرانيا.

ورغم نشر جهاز الأمن الأوكراني (SSU) -الذي يرأسه ماليوك- طائرات مسيرة بعيدة المدى لاحتواء القاذفات الروسية، لكنها كانت عرضة للدفاعات الجوية العدائية، بما في ذلك أنظمة اعتراض الصواريخ وأجهزة التشويش.

لكن في النهاية، ما فعله ماليوك وفريقه صدم العالم يوم الأحد بجرأته. عندما أعلن زيلينسكي عن نجاح عملية "شبكة العنكبوت"، التي أظهرت مقاطع فيديو وصور أقمار صناعية أنها أسفرت عن تدمير 12 طائرة في قاعدتين جويتين؛ بينما لفتت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن الأضرار الفادحة شملت ثماني قاذفات من طراز TU-95 القادرة على حمل أسلحة نووية.

وحسب ما ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، هرّبت الاستخبارات الأوكرانية أجزاء مسيرات إلى روسيا وجمّعتها في موقع سري؛ حيث استخدم عملاء جهاز الأمن الأوكراني داخل روسيا سائقي شاحنات في عملية على نمط "حصان طروادة".

ودون أن يعرفوا الأمر، قام السائقون بتوصيل الطائرات المسيرة المختفية في أسقف حاويات خشبية. ويوم الأحد، انفتحت أسقف عدة شاحنات بالقرب من القواعد الجوية الروسية عن بُعد، مطلقةً عشرات الطائرات المسيرة، مضيفةً لمسةً حديثة إلى أساليب التجسس التقليدية.

مسيّرات "النحلة"

يتمتع ماليوك، رئيس الاستخبارات الأوكرانية، ووكالته، بخبرة واسعة في ضرب الأهداف الرئيسية، بدءًا من استخدام شاحنة مفخخة لتدمير جسر "كيرتش" بين البر الرئيسي الروسي وشبه جزيرة القرم، إلى الاغتيالات على الأراضي الروسية، بينها جنرال روسي اغتيل بدراجة نارية متفجرة، وقنبلة مخبأة في تمثال صغير لقتل مدون حرب بارز.

وعند إعلانه عن عملية "شبكة العنكبوت"، تفاخر الرئيس زيلينسكي بأن عملاء الاستخبارات الأوكرانية في روسيا أقاموا قاعدةً تحت أنظار جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB).

فيما بعد، فتشت قوات إنفاذ القانون الروسية مستودعًا خرسانيًا، الأحد، في "تشيليابينسك" -وهي مدينة صناعية في جبال الأورال على بُعد حوالي 1440 كيلومترًا شرق موسكو- على بُعد أميال قليلة من المقر المحلي لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وفقًا لوسائل إعلام روسية.

وذكرت وسائل إعلام روسية رسمية أن منسق موسيقى أوكراني كان يقيم في روسيا، وانتقل مؤخرًا إلى المدينة العام الماضي، هو أحد المسؤولين عن الدعم اللوجستي لهجوم المسيرات، حيث اشترى الشاحنات التي ستحمل الطائرات المسيرة ونسق عمل السائقين.

وكان لا بد من تهريب بعض المواد التي استخدمها جهاز الأمن الأوكراني في العملية عبر الحدود الخاضعة لرقابة مشددة، بما في ذلك أجزاء المسيرات التي سيتم تجميعها، وهي وفق مسؤول أمني أوكراني، كانت رباعية المراوح من طراز " Osa/ أوسا" -وهي كلمة أوكرانية تعني "النحلة"- من إنتاج شركة "فيرست كونتاكت" الأوكرانية.

وفقًا لموقع الشركة المصنعة، هذه الطائرات -التي يبلغ طولها تقريبًا طول ذراع رجل- مصنوعة في أوكرانيا، ويمكنها حمل حمولة تزيد قليلاً عن 3.7 كجم، وتحلق بسرعة قصوى تزيد قليلاً عن 145 كيلومترًا في الساعة.

وقال سائقو الشاحنات للسلطات الروسية إنه لم يتم إبلاغهم بمحتويات الحاويات، وتم توجيههم بالتوقف في محطات الوقود أو مناطق الاستراحة على جانب الطريق بالقرب من المطارات، بحسب وسائل إعلام روسية.

وقال جهاز الأمن الأوكراني إنه بمجرد استقرار المسيرات في مواقعها المحددة، تم فتح أسطح الحاويات، لتنطلق مع طنين عالي النبرة.

التكنولوجيا والخداع

يُظهر تحليل "وول ستريت جورنال" كيف نفذّت الاستخبارات الأوكرانية عملية مخططة بعناية، تجمع بين التكنولوجيا المحلية وفن الخداع الكلاسيكي. نتج عنها، وفق كييف، أضرارًا تُقدر قيمتها بـ 7 مليارات دولار، في أربع قواعد باستخدام طائرات مُسيّرة، تبلغ تكلفة الواحدة منها حوالي 2000 دولار.

وزعم المسؤولون الأوكرانيون أن عملية "شبكة العنكبوت" دمرت 12 طائرة روسية وأصابت 41 طائرة إجمالاً، بما في ذلك طائرات من طراز A-50 وTu-95 وTu-22 وM3 وTu-160.

وتلفت الصحيفة إلى أنه من بين القواعد الجوية الأربع التي قال جهاز الأمن الأوكراني إنه استهدفها، تشير صور الأقمار الصناعية إلى أن ثلاث قواعد تعرضت لأضرار، واثنتين فقط تظهر عليهما علامات مرئية لطائرات متضررة، هما قاعدتا "بيلايا" و"أولينيا" الجويتان.

وتظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة يوم الاثنين أن القاعدة الجوية الثالثة "دياجيليفو"، لم تشهد سوى بقعة من العشب المحروق، وفقا لما ذكره موقع "لير".

ونقلت "واشنطن بوست" عن خبراء إن الطائرات المتضررة شملت ما لا يقل عن ثماني قاذفات من طراز TU-95، وهي طائرات بعيدة المدى قادرة على حمل أسلحة نووية. وقد استُخدمت هذه الطائرات بشكل متكرر في الحملة الجوية الروسية على أوكرانيا، وفقًا لويل جودهايند، المحلل في "كونتيستد جراوند"، وهو مشروع بحثي يستخدم صور الأقمار الصناعية لتتبع النزاعات المسلحة.

ولفت جودهايند إلى أن TU-95 طائرات من الحقبة السوفيتية متوقفة عن الإنتاج ولا يمكن استبدالها. وتشير بعض التقديرات إلى أن روسيا لا تملك سوى 50 طائرة من هذا الطراز قيد الخدمة "مما يعني أن فقدان حتى عدد قليل منها سيكون له أثر بالغ".

أضرارا ضخمة

تُظهر صور رادار (SAR) أضرارًا لحقت بثماني طائرات على الأقل في قاعدة "بيلايا" الجوية بمنطقة "إيركوتسك"، على بُعد 5500 كيلومتر شرق أوكرانيا، وفقًا لتحليل أجراه فريق الاستخبارات مفتوحة المصدر في معهد "ميدلبري" للدراسات الدولية.

ويظهر تسجيل شاشة من طيار مسيّرة شارك في الهجوم، من مقطع فيديو متداول على تطبيق "تليجرام"، صفًا من قاذفات TU-95 متوقفة على المدرج قبل انقطاع البث قبل الضربة.

ونقلت "واشنطن بوست" عن سام لير، الباحث في فريق "ميدلبري": على الرغم من أننا نرى هدفًا واحدًا فقط في الفيديو، إلا أنه يبدو أن اثنين على الأقل منهم تم تدميرهما والاثنان الآخران تضررا بشدة، إن لم يكن جميعهم الأربعة قد تم تدميرهم.

وأكدت شركة "جينز" للاستخبارات الدفاعية مفتوحة المصدر أن مقطع فيديو آخر من طائرة بدون طيار شاركت في الهجوم على قاعدة "بيلايا" يظهر حرائق كثيفة مشتعلة من ثلاث مناطق كانت طائرات TU-95 مرئية فيها في 22 مايو.

كما يُظهر تسجيل شاشة آخر من مُشغّل مُسيّرة قاعدة "أولينيا" في شبه جزيرة "كولا "قرب "مورمانسك" أضرارًا لحقت بأربع طائرات من طراز TU-95 وطائرة AN-12، وهي تُستخدم بشكل رئيسي كطائرة نقل.