في أوائل سبعينيات القرن الماضي، صنع الرئيس ريتشارد نيكسون تاريخًا جديدًا، بتقريب الصين الشيوعية من الولايات المتحدة، مانحًا واشنطن أفضلية في صراعها مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، بحسب مجلة "ذا أتلانتيك".
وبعد نصف قرن، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب يتطلع إلى مناورة دبلوماسية مماثلة، لكن بالعكس، وهي تقريب روسيا من الولايات المتحدة لمنح واشنطن أفضلية في تنافسها الجيوسياسي مع الصين الشيوعية.
ويسعى ترامب من خلال خطته لتغيير مجرى التاريخ بعزل الصين، وضمان الأمن الأوروبي، وترسيخ التفوق العالمي لأمريكا، لكن الخطة المعروفة في دوائر السياسة الخارجية بـ"عكس نيكسون"- قد تأتي بنتائج عكسية بسهولة.
إبعاد روسيا عن الصين
للوهلة الأولى، تبدو محاولة إبعاد روسيا عن الصين منطقية نوعًا ما، فقد أقام البلدان شراكة في السنوات الأخيرة قد تُشكل تهديدًا خطيرًا للمصالح الأمريكية، ودعم بكين لهجوم موسكو لأوكرانيا خير دليل على ذلك.
قال "ترامب" في مقابلة أجريت معه في أكتوبر الماضي: "الشيء الوحيد الذي لا ترغب أبدًا في حدوثه هو عدم رغبتك في اتحاد روسيا والصين، سأضطر إلى فكّ وحدتهما، وأعتقد أنني قادر على ذلك"، قد يُفسر هذا الأمر الحتمي سعي إدارة ترامب للتقارب مع روسيا.
وألمح وزير الخارجية ماركو روبيو، إلى أن روسيا قد تُصبح خاضعة للصين لولا ذلك، وقال في مقابلة أجريت معه في فبراير الماضي: "إذا أصبحت روسيا شريكًا ثانويًا دائمًا للصين على المدى الطويل، فنحن نتحدث الآن عن قوتين نوويتين متحالفتين ضد الولايات المتحدة".
وأضاف: "قد يُجبر القادة الروس على فعل كل ما تقوله الصين بسبب اعتمادهم عليها"، وتابع: "لا أعتقد أن هذه نتيجة جيدة لروسيا، وليست جيدة لأمريكا أو أوروبا أو العالم".
عقلية الحرب الباردة
استبعد المسؤولون الصينيون احتمال خسارة روسيا أمام ترامب، ووصف وزير الخارجية الصيني وانج يي، فكرة نيكسون العكسية بأنها "عقلية الحرب الباردة البالية"، وأصرّ على أن العلاقات بين بكين وموسكو "صلبة كالجبال".
وبعد أقل من أسبوعين من محادثة ترامب وفلاديمير بوتين الهاتفية في مارس الماضي، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينج محادثة خاصة مع الرئيس الروسي، وحرص على التأكيد على أن "بلدينا صديقان حقيقيان" وأن شراكتهما "ذات قيمة استراتيجية فريدة"، وفقًا لملخص تصريحاته الصادر عن وزارة الخارجية الصينية.
وتاريخيًا كانت مهمة نيكسون في السبعينيات أسهل من بعض النواحي من خطة ترامب اليوم، إذ كان القادة الصينيون الذين استمالهم نيكسون قد انفصلوا بالفعل عن السوفييت واعتبروهم تهديدًا، بينما أصبحت العلاقات بين الصين وروسيا في الوقت الحالي أقرب مما كانت عليه منذ عقود، ولم يُبدِ بوتين رغبة كبيرة في تغيير ذلك، ففي أوائل مايو المنقضي، استضاف بوتين الرئيس الصيني "شي" في احتفال بيوم النصر في الحرب العالمية الثانية في موسكو، ووصف الزعيم الصيني بـ"الصديق العزيز".
بايدن وحّدهم
قد لا تُدرك إدارة ترامب تمامًا عمق العلاقة بين خصوم أمريكا، وفي مقابلته في أكتوبر الماضي، أعرب ترامب عن اعتقاده بأن التقارب بين روسيا والصين يعود بالأساس إلى السياسات الأمريكية الخاطئة، وخاصة سياسات الرئيس جو بايدن.
كان ترامب يُشير على الأرجح إلى موقف واشنطن المتشدد تجاه أوكرانيا، بما في ذلك العقوبات المفروضة على روسيا، التي يُقال إنها دفعت موسكو إلى طلب الدعم والإعفاء من الصين، وقال ترامب: "لقد وحّدناهم. بايدن وحّدهم. يا له من غباء ارتكبوه".
كما لم يُبدِ بوتين حماسًا كبيرًا للتوصل إلى اتفاق مع ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وما يفسره شكوى نائب الرئيس جيه دي فانس، في وقت سابق من هذا الشهر من أن الروس "يطلبون الكثير".
روابط اقتصادية
وأضافت المجلة الأمريكية أن هناك روابط اقتصادية، في هذه المرحلة، إذ قد لا يتمكن بوتين من التحرر من الصين حتى لو أراد ذلك، ووفقًا لجابويف، تشتري الصين الآن 30% من الصادرات الروسية؛ وتأتي 40% من الواردات الروسية من الصين.
كما تشتري الصين الآن نفطًا من روسيا أكثر من أي دولة أخرى. وحتى لو رفعت الولايات المتحدة العقوبات كجزء من تسوية حرب أوكرانيا، فليس لدى بوتين أي سبب للتخلي عن دعم الصين الواسع والملموس والموثوق للاقتصاد المدني الروسي وصناعة الدفاع مقابل علاقات مع واشنطن قد لا تدوم بعد نهاية ولاية ترامب.
وقالت بوني جلاسر، المديرة الإدارية لبرنامج المحيطين الهندي والهادئ التابع لصندوق مارشال الألماني، إن "روسيا قد تتولى دور المحور في العلاقة الثلاثية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا"، ما يعني أن موسكو ستتمتع بعلاقات أفضل مع بكين وواشنطن من أي منهما.