تتضاءل آمال السلام في أوكرانيا مع الهجوم الذي شنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتهديده بفرض عقوبات ضد روسيا، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وفي خطابه الأكثر قسوة حتى الآن ضد بوتين، أعلن ترامب أن الرئيس الروسي "يلعب بالنار" - في إشارة إلى القصف الروسي المتصاعد لأوكرانيا خلال الأيام الأخيرة - على الرغم من جهود الرئيس الأمريكي للتوسط في اتفاق سلام بين كييف وموسكو.
وقدم ترامب رسائل متضاربة بشأن بوتين، تتراوح بين الثناء على زعيم قال إنه يعتقد أنه يستطيع التعامل معه، والإحباط بسبب عدم قدرته على جلب روسيا إلى طاولة المفاوضات. وبلغ الإحباط ذروته، أمس الثلاثاء، حين ألمح ترامب إلى أنه كان يحمي بوتين من عواقب وخيمة تتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا.
وكتب ترامب في منشور على موقع "تروث سوشيال": "ما لا يدركه فلاديمير بوتين هو أنه لولا وجودي، لكانت روسيا شهدت بالفعل الكثير من الأمور السيئة للغاية، بل سيئة للغاية. إنه يلعب بالنار!".
وجاء هذا المنشور في أعقاب اقتراح ترامب قبل يومين، بأنه قد يكون منفتحًا على فرض عقوبات على روسيا، وهو تحول كبير بعد أشهر كان فيها حذرًا للغاية بشأن الضغط على بوتين لدرجة أنه أعفى موسكو من التعريفات الجمركية، التي فرضها على معظم بقية العالم.
ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ترامب مستعدًا حقًا لفرض المزيد من العقوبات، وظل صامتًا بشأن ما إذا كان يدعم جهدًا ثنائيًا من الحزبين في الكونجرس لتعزيز هذه العقوبات.
وواجهت روسيا سنوات من العقوبات الأمريكية، على الرغم من أن الخبراء يقولون إنه يمكن تشديدها ضد قطاع الطاقة والبنوك. وقال دبلوماسي مطلع على المناقشات، إن وزارتي الخارجية والخزانة تعملان على صياغة حزم عقوبات محتملة ضد روسيا تركز على تلك القطاعات.
وأضاف الدبلوماسي، أن نفس الفرق تعمل أيضًا على تقييم فعالية نظام العقوبات الحالي وتفكر في التراجع عن بعض العقوبات القائمة. لكن أي تحول سيعتمد على التفضيل الشخصي لترامب، الذي أوضح أنه وحده هو المتحكم في السياسة الأمريكية، وفق واشنطن بوست.
ومع ذلك حتى الآن، لم يتم اتخاذ أي إجراء للضغط على بوتين أو لدعم أوكرانيا، التي لا تزال تتلقى الدفعات الأخيرة من المساعدات العسكرية التي وافق عليها الرئيس السابق جو بايدن.
ومن المقرر أن ينفد هذا الدعم في الأشهر المقبلة، ولم يشر ترامب إلى خطط لإحيائه أو تمديده، الأمر الذي يضع كييف في موقف استراتيجي غير مؤكد.
وقال ديفيد شيمر، مدير أوكرانيا السابق في مجلس الأمن القومي التابع لبايدن: "هناك خيار يواجه الإدارة الحالية، وهو السماح بمساعدات أمنية إضافية لأوكرانيا حتى تستمر في تلقي الأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن بلادها".
وأضاف: "أن نرسم مسارًا مختلفًا، وهو السماح بتقليص المساعدات الأمنية الأمريكية، وهو ما من شأنه أن يضر بأوكرانيا، ويصب في مصلحة روسيا، وفي نهاية المطاف يشجع روسيا ويحفزها على مواصلة هذه الحرب".
وحتى الأسبوع الماضي، أشاد ترامب بـ"محادثته الجيدة مع رجل لطيف يُدعى فلاديمير بوتين"، إذ "كانت نبرة وروح المحادثة ممتازة".
وأعرب ترامب بوضوح عن رغبته في تجاوز الحرب، وإحياء العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وروسيا، رغم رفض بوتين طلب الرئيس الأمريكي بوقف فوري لإطلاق النار، وهو ما قبلته أوكرانيا.
وفي اتصال هاتفي مع القادة الأوروبيين عقب محادثاته مع بوتين، قال ترامب إن "الزعيم الروسي لا يبدو مستعدًا للسلام"، وفقًا لدبلوماسي ثانٍ.
وأواخر أبريل، وهو اليوم نفسه الذي التقى فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في جنازة البابا فرنسيس بروما، عبّر ترامب عن استيائه الشديد إزاء حالة مفاوضات السلام والتغطية الإعلامية لجهوده الرامية إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا. كما انتقد التزام بوتين بهذه العملية.
وقال ترامب: "لم يكن هناك مبرر لقيام بوتين بإطلاق الصواريخ على المناطق المدنية والمدن والبلدات، خلال الأيام القليلة الماضية. هذا يجعلني أعتقد أنه ربما لا يريد وقف الحرب، ويجب التعامل معه بطريقة مختلفة، من خلال المعاملات المصرفية أو العقوبات الثانوية. يموت الكثير من الناس!!!".
وحسب واشنطن بوست، يقول خبراء في الشؤون الأوكرانية، إن غياب الرد الملموس من جانب واشنطن أعطى موسكو الضوء الأخضر لمواصلة الحرب.
وأضاف ويليام تايلور، السفير الأمريكي السابق لدى أوكرانيا: "رأينا تصريحات صادرة عن الرئيس وآخرين من حوله مفادها أنه يشعر بالإحباط والغضب. كل هذه التصريحات لم تحدث أي تأثير. إنها أشبه بمناورة من الروس. بوتين لا يأخذ هذه التصريحات على محمل الجد. ما قد يدفع بوتين إلى أخذنا على محمل الجد هو اتخاذ خطوات فعلية".
وأضاف "تايلور" أن زيادة العقوبات على روسيا، والدعم العسكري المتجدد لأوكرانيا، وتشجيع الأوروبيين على استخدام 300 مليار دولار من الأصول السيادية الروسية المجمدة لمساعدة كييف، كل هذا من شأنه أن يؤدي إلى قلب حسابات بوتين بشأن القدوم إلى طاولة المفاوضات.
وكان البعض في إدارة ترامب فاترًا بشأن هذه الإجراءات حتى الآن. قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي: "إذا بدأتم بالتهديد بالعقوبات، فسيتوقف الروس عن الحديث. ومن المهم أن نتمكن من التحدث معهم ودفعهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات".
ويقول خبراء العقوبات، إن هناك تدابير يمكن تشديدها بما يتجاوز الجهود التي بُذلت في عهد بايدن.
وقال إدوارد فيشمان، الذي ساعد في تصميم العقوبات على روسيا، خلال إدارة أوباما، مؤلف كتاب "نقاط الاختناق: القوة الأمريكية في عصر الحرب الاقتصادية": "عندما نتحدث عن زيادة العقوبات على روسيا، فإننا في الواقع نحقق قدرًا لا بأس به من الأهداف سهلة المنال".
في حين استهدفت العقوبات الأمريكية عددًا من البنوك الروسية البارزة وعددًا من الأفراد المقربين من بوتين، لا تزال هناك العديد من الطرق القانونية التي تسمح بتدفق الدولارات الأمريكية إلى روسيا، وفقًا لفيشمان. فعلى سبيل المثال، نجت شركات النفط والغاز الروسية المملوكة للدولة من العقوبات الأمريكية الكاملة حتى الآن.
وأضاف "فيشمان": "في الواقع، مجرد قطع الشركات والبنوك الروسية الفردية عن النظام المالي الأمريكي، وتجميد أصولها، ومنع قدرتها على التعامل بالدولار - يعني أن هناك أهدافًا لا تزال قائمة".
وامتنع بايدن عن إطلاق العنان للعقوبات الكاملة على قطاع الطاقة الروسي - على سبيل المثال، من خلال استهداف المشترين من النفط والغاز الروسيين - لأنه كان قلقًا من أن ذلك قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية ويؤثر سلبًا على أصوات الناخبين الأمريكيين.
وأوضح فيشمان أن ترامب - الأقل تعاطفًا مع كييف - قد يكون من غير المرجح أن يتجاوز خط بايدن على هذه الجبهة، على الرغم من أن أسعار الغاز أقل الآن مما كانت عليه، خلال ذروة التضخم في عهد بايدن، ما يمنح البيت الأبيض مساحة أكبر إلى حد ما للمناورة.
وتابع: "هل أعتقد أنها ستحقق نتيجة سريعة - مثل فرض العقوبات، وبعد أسبوع يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار؟.. لا، لا أعتقد ذلك. لكنني أعتقد أنها خطوة بالغة الأهمية لإبعاد بوتين عن تفكيره الحالي بأن الوقت في صالحه".