أنهت وفاة البابا فرنسيس، اليوم الاثنين، رحلته الدؤوبة نحو السلام، إذ كان داعيًا له ومطالبًا بإنهاء الصراعات في العالم، وعلى رأسها "حرب غزة"، الذي طالب فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي بإيقاف المجازر في حق المدنيين، إلى جانب دعوته الدائمة بتوقف الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي أنشودته الرامية إلى السلام على أطراف الكوكب، بنى البابا فرنسيس سياسته، منذ أن وطأت قدمه الفاتيكان، في أول مرة عام 2013، وعرف البابا باعتباره بابا السلام من خلال نداءاته المتواصلة وزياراته المستمرة لأطراف الصراع في محتلف أنحاء العالم.
وخلال أسابيعه الأخيرة، التي شهدت وجوده في المستشفى بسبب إصابته بالتهاب رئوي ثنائي، خصص البابا فرنسيس وقتًا لإجراء محادثة فيديو مع رعية العائلة المقدسة في غزة، التي كان على اتصال وثيق بهم طوال فترة الهجوم الإسرائيلي.
أوقفوا الحرب على غزة
من شرفة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، كانت آخر إطلالة للبابا فرنسيس، أمس الأحد، بمناسبة "عيد الفصح"، وألقى "فرنسيس" رسالته الأخيرة التي ينشد فيها السلام بالعالم، إذ طالب بضرورة وقف الحروب، خاصة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي وصفه بأنه "يُولد الموت والدمار، ويسبب وضعًا إنسانيًا مروعًا ومُشينًا".
وذكر الحبر الأعظم في كلمته الأخيرة، أمام حشد في ساحة بطرس: "أنا قريب من آلام المسيحيين في فلسطين وإسرائيل، كما أنني قريب من الشعبين"، ودعا البابا فرنسيس إلى "وقف إطلاق النار وتقديم المساعدة للشعب الذي يتضوّر جوعًا ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام".
وفي آخر ظهور علني له، كرّر البابا فرنسيس، ما أصبح شعارًا للسلام، وخلال قداس عيد الفصح في اليوم السابق لوفاته، رددت كلمات البابا النداءات التي لا تعد ولا تحصى التي أطلقها على مر السنين، وحث زعماء العالم على إلقاء السلاح واللجوء إلى الحوار.
قاد البابا فرنسيس الحركة الكاثوليكية العالمية من أجل السلام، وأثبت من خلال أقواله وأفعاله إيمانه الراسخ بقوة المصالحة، وأهمية الحوار، وضرورة إنهاء العنف بجميع أشكاله.
أوكرانيا وروسيا.. إخوة وأبناء عمومة
ورفع البابا فرنسيس دائمًا صلواته من أجل السلام الذي طال انتظاره للشعبين الأوكراني والروسي، وقال: "إنهم إخوة وأبناء عمومة. فليتفقوا! الحرب دائمًا هزيمة، والسلام للعالم أجمع!".
وأضاف البابا فرنسيس، أن أوكرانيا يجب أن تتحلى بما أسماها شجاعة "الراية البيضاء" وتتفاوض على إنهاء الحرب، ودعا في رسالة يوم عيد الميلاد 2024، إلى "التفاوض" لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
كما دعا لإلقاء الأسلحة في الصراعات العالمية والمصالحة بين الأعداء، كما أشار البابا فرنسيس بشكل خاص إلى الحرب في أوكرانيا وغزة.
وقال في خطابه: "فلنتحلى بالجرأة اللازمة لفتح باب التفاوض ولفتات الحوار واللقاء من أجل تحقيق السلام العادل والدائم، وليصمت صوت السلاح في الشرق الأوسط".
الصراع في جنوب السودان
لُقّب البابا فرنسيس بـ"بابا الأطراف"، وكان دائمًا يُكرّس وقته لتذكر من يعانون النزاعات، ومن أبرز لفتاته الرمزية، ما فعله في أبريل 2019، عندما ركع ليقبّل أقدام قادة جنوب السودان بعد حربها الأهلية، وبينما كان يُحيي الرئيس سلفا كير ومنافسه رياك مشار في الفاتيكان، قبّل البابا، بتواضعه، أقدامهما، وحث القادة على إلقاء أسلحتهم والسير في دروب السلام.
وبعد أربع سنوات، فبراير 2023، تحوّلت دعوته الشخصية إلى دبلوماسية عندما سافر إلى جنوب السودان، رفقة رئيس أساقفة كانتربري ورئيس أساقفة كنيسة اسكتلندا، وخاطب بحرارة الذين عانوا وما زالوا يعانون عواقب الحرب المؤلمة.
وفي أثناء مخاطبته السلطات الوطنية والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في القصر الرئاسي بجوبا، حذّرهم: "الأجيال القادمة إما أن تحترم أسماءكم أو تلغي ذكراها، بناءً على ما تفعلونه الآن".
نداء ضد الأسلحة النووية
وتطرقت دعوته للسلام إلى إرث الحروب الماضية، والندوب التي خلّفتها الفظائع العنيفة المرتكبة بين الأمم والشعوب، وضمان عدم تكرار بعض الأخطاء، وخلال زيارته لهيروشيما وناجازاكي، نوفمبر 2019، وجّه البابا فرنسيس نداءً قويًا ضد الأسلحة النووية.
وفي كلمته أمام مركز القنبلة الذرية في ناجازاكي، على نفس الأرض، التي تسببت فيها القنابل الذرية في دمار غير مسبوق، أدان الدمار الذي تسببه هذه الأسلحة وكل من يمتلكها، معلنًا أن استخدام الطاقة الذرية لأغراض الحرب أمر غير أخلاقي، تمامًا كما أن حيازة الأسلحة النووية أمر غير أخلاقي.
رفض تجارة الأسلحة
لطالما ندد البابا فرنسيس بتجارة الأسلحة، مُدينًا أولئك الذين يستفيدون من الحروب، وفي خطابه أمام الكونجرس الأمريكي، 24 سبتمبر 2015، تساءل: "لماذا تُباع الأسلحة الفتاكة لمن يُخططون لإلحاق معاناة لا تُوصف بالأفراد والمجتمعات؟ للأسف، الجواب، كما نعلم جميعًا، هو ببساطة المال: مال مُغرق في الدماء، غالبًا دماء الأبرياء".
ووصف استثمار الأموال في الأسلحة بـ"الجنون"، وندد بالديون المرتبطة بـ"السوق السوداء" للأسلحة. ومع حلول عام 2025، ظلت رسالته ملحة كما كانت دائمًا، مفادها: "كفى استعمارًا للشعوب بالأسلحة".
رحلات السلام.. أول بابا يزور العراق
كما كان الحال في جنوب السودان، كُرِّست العديد من رحلات البابا فرنسيس الرسولية للسلام، إذ كان في مارس 2021، دخل التاريخ كأول بابا يزور العراق، وهناك حمل رسالة وحدة وأمل إلى أمة دمرتها سنوات من الصراع.
وأكد البابا خلال الزيارة، قوة الحوار بين الأديان والاحترام المتبادل، وأدى تصريح البابا فرانسيس إلى أن السلام لا يتطلب رابحين أو خاسرين، بل إخوة وأخوات يختارون طريق الحوار على الرغم من سوء الفهم والجروح الماضية.
في سبتمبر 2024، زار البابا فرنسيس، تيمور الشرقية، الدولة الفتية التي ناضلت طويلًا من أجل استقلالها ولا تزال تتعافى من ماضيها، وكان حضوره دليلًا قويًا على قربه من أكثر الدول كاثوليكية في العالم.
الحوار بين الأديان
دعا البابا فرنسيس، عام 2024، من إندونيسيا، إلى تعزيز الحوار بين الأديان من أجل مواجهة التطرف والتعصب، في مستهل جولة بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ بدأها من الدولة ذات الأغلبية المسلمة.
وقال البابا في خطاب ألقاه بعد اجتماعه بالرئيس جوكو ويدودو، إنّ الحوار بين الأديان لا غنى عنه لمواجهة التحديات المشتركة، بما في ذلك مواجهة التطرف والتعصب، وتُعد رحلة بابا الفاتيكان، التي استمرت 12 يومًا آنذاك، تحديًا جسديًا خارجًا عن المألوف بالنسبة له، في ظل معاناته من مشكلات صحية.
مكافحة تغير المناخ
ودائما ما أعلن البابا فرنسيس، اهتمامه بتغير المناخ، ودعا القادة العالميين للتصدي لخطر تغير المناخ والتطر.
وخلال رحلة البابا إلى إندونيسيا، أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم، أصدر إعلانًا مشتركًا مع إمام إندونيسيا الأكبر نصر الدين عمر وغيره من رجال الدين المحليين، دعا فيه إلى "اتخاذ إجراءات حاسمة" للتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري.
وجاء في الإعلان: "أسهمت إساءة استخدام الإنسان للخليقة، التي هي بيتنا المشترك، في تغير المناخ، ما أدى إلى عواقب مدمرة مثل الكوارث الطبيعية والاحتباس الحراري والظروف الجوية التي لا يمكن التنبؤ بها".
وفاة البابا فرنسيس
أعلنت دولة الفاتيكان، اليوم، وفاة البابا فرنسيس، بعد أزمة صحية ألمت به، على الرغم من مغادرته المستشفى قبل وفاته، عقب 12 عامًا قضاها على الكرسي الباباوي، عندما انتُخب في 2013، وهو أول بابا من نصف الكرة الغربي، والأول من أمريكا الجنوبية.
وتوفي بابا الفاتيكان عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد أزمة صحية أُدخل على إثرها مستشفى جيميلي، 14 فبراير الماضي، بسبب نوبة التهاب شعبي تطورت إلى التهاب رئوي مزدوج.
وعانى البابا فرنسيس، طيلة الأشهر القليلة الماضية، مشكلات تنفسية استدعت بقاءه لأكثر من 35 يومًا تحت الملاحظة الطبية المستمرة.
وعاد البابا فرنسيس - 88 عامًا - إلى الفاتيكان، مع نهاية مارس، بعد أخطر أزمة صحية تعرض لها منذ تولى منصبه كبابا للفاتيكان قبل 12 عامًا، وظهر البابا بشكل مفاجئ، أمس الأحد، مُهنئًا آلاف الأشخاص الذين تجمعوا للاحتفال بعيد الفصح.