الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الحرب التجارية الأمريكية الصينية.. فرصة ذهبية للهند أم تحدٍ يفوق قدراتها؟

  • مشاركة :
post-title
عامل هندي يقوم بتجميع شواحن الهواتف في مصنع بولاية تاميل نادو الهندية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تبدو الهند في موقف محوري غير مسبوق، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد للبيت الأبيض في يناير 2025، بفرض رسوم جمركية باهظة على الواردات القادمة من الصين، إذ فتحت هذه الخطوة الأمريكية الباب على مصراعيه أمام نيودلهي لملء الفراغ المتوقع في السوق الأمريكية، وهو ما وصفه برافين خانديلوال، عضو البرلمان الهندي من حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بأنه "فرصة كبيرة لتجارة وصناعة الهند"، وفقًا لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز".

بين الطموح والواقع

منذ عشر سنوات، أطلق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مبادرة طموحة تحت شعار "صنع في الهند"، تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز تصنيع عالمي ينافس الصين، وقد خصصت الحكومة الهندية أكثر من 26 مليار دولار كحوافز للشركات المنتجة في قطاعات استراتيجية، وسعت لجذب استثمارات أجنبية بهدف تقليل اعتماد الهند على الواردات الصينية، مع هدف طموح لإيجاد 100 مليون وظيفة جديدة في قطاع التصنيع بحلول عام 2022. 

وبينما تحققت بعض النجاحات الملفتة، مثل بدء شركة فوكسكون التايوانية تصنيع هواتف آيفون لشركة أبل في الهند، لتنقل بذلك جزءًا من أعمالها من الصين، فإن مساهمة قطاع التصنيع في الاقتصاد الهندي قد انخفضت خلال العقد الماضي، من 15% إلى أقل من 13% من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بقطاعي الخدمات والزراعة. 

في المقابل، يشكل قطاع التصنيع نحو 25% من معظم اقتصادات شرق آسيا – أي ضعف نسبته في الهند، كما تشير نيويورك تايمز.

معضلة الصناعة الهندية

وتشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه بالرغم من التحسن الملحوظ في البنية التحتية العامة تحت قيادة مودي، إلا أن العشر سنوات الماضية لم تكن كافية لتدريب القوى العاملة المتنامية في البلاد لتلبية احتياجات الشركات، فعلى بعد ساعة بالسيارة من نيودلهي، على طريق سريع جديد من ثمانية مسارات، تقع منطقة راي الصناعية في هاريانا التي تضم مجموعة متنوعة من المصانع، قديمها وحديثها. 

يقول فيكرام باتلا، مؤسس شركة "ليكرافت" المصنعة لبطاريات الليثيوم أيون للمركبات منذ عام 2019، إن الوصول إلى التكنولوجيا يمثل العقبة الأكثر إحباطًا أمام تطور عمله، مضيفًا: "يمكننا شراء المعدات، ونحن نفعل ذلك – ومعظمها يأتي من الصين. لكن ما لا نملكه هو العمال المهرة لاستخدامها". 

وأوضح أنه طوال خمس سنوات، كان يحاول اللحاق بالمنافسين الذين بدأوا قبله بخمسة عشر عامًا. 

في مصنع "ليكرافت"، يعمل حوالي 300 عامل، معظمهم مهاجرون من ولايات هندية أفقر، على تجميع البطاريات باستخدام خلايا مستوردة من الصين، بعضها أسطوانات فيروزية اللون تحمل علامة "صنع في منغوليا الداخلية". 

ويستخدم عمال آخرون آلات أكبر، مستوردة أيضًا من الصين، للحام الخلايا والمكونات الإلكترونية في البطاريات، ما يشير إلى أن المنتجات النهائية تحمل علامة "صنع في الهند"، لكن سلسلة التوريد أجنبية بالكامل.

نموذج متكرر

توضح الصحيفة الأمريكية أن معضلة الاعتماد على المدخلات الأجنبية لا تقتصر على الصناعات عالية التقنية فقط، ففي مصنع آخر يبعد نصف ميل في نفس المجمع الصناعي، تعتمد شركة "أوتوكامي" المتخصصة في تصميم وقص وخياطة أغطية مقاعد السيارات للسوق الهندية، على آلات قص أقمشة عالية الدقة، مستوردة من ألمانيا وإيطاليا، كما أن الألياف الصناعية المستخدمة يجب استيرادها أيضًا. 

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن المواد الخام المكلفة ليست سوى جزء من المشكلة، حسبما يوضح أنيل بهاردواج، الأمين العام لمنظمة تجارية للشركات الصناعية، فهناك أيضًا التكلفة المرتفعة للأراضي، ونقص في المهندسين ذوي المهارات المناسبة، وعدم توفر تمويل جيد من البنوك، فضلًا عن مشاكل متعلقة بعدم اتساق السياسات الحكومية والروتين البيروقراطي، وهي مشاكل تعاني منها الصناعة الهندية منذ عقود.

إشراقات وسط التحديات

يعترف بهاردواج وخبراء آخرون بحدوث تحسينات كبيرة في السنوات الأخيرة، إذ أن الطاقة، التي كانت شحيحة قبل 10 سنوات، أصبحت متوفرة بوفرة في أماكن مثل المجمعات الصناعية في هاريانا، وإن لم تكن موثوقة بالقدر الذي ترغب فيه المصانع الصغيرة هناك، كما تم تبسيط العديد من العمليات الحكومية خلال فترة رئاسة مودي.

وتمكنت بعض الولايات من استنساخ أجزاء من نظام الإنتاج الذي جعل المصانع الصينية مثار إعجاب العالم، إذ أن المجموعة من موردي أبل في ولاية تاميل نادو تنتج حاليًا حوالي 20% من هواتف آيفون في العالم، وفقًا لبعض التقديرات، بعد أن كانت تُصنع جميعها تقريبًا في الصين حتى السنوات القليلة الماضية. 

وتظهر السجلات من المطار الرئيسي في تاميل نادو أنه في الأسابيع التي سبقت إعلان ترامب عن رسوم جمركية بنسبة 27%، تضاعفت شحنات الإلكترونيات الصادرة إلى أكثر من 2000 طن شهريًا، حيث قامت أبل وشركات أخرى بتخزين منتجاتها. وقد يؤدي قرار ترامب الأخير باستثناء الهواتف الذكية والإلكترونيات الأخرى من الرسوم الجمركية إلى إبطاء وتيرة شحن هواتف آيفون إلى أمريكا.

آفاق المستقبل

في ظل فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية تصل إلى 145% على الواردات الصينية، تتطلع الهند إلى الاستفادة من هذا التحول التاريخي في العلاقات التجارية العالمية. 

وهناك تغييرات طويلة الأجل قيد التنفيذ، فقد صرح شخص يعمل عن كثب مع موردي أبل، غير مخول بمناقشة خططهم علنًا، بأن الموردين يأملون في زيادة الإنتاج بحيث يمكن للهند تصنيع 30% من هواتف آيفون في العالم، وفقًا لما ذكرته نيويورك تايمز. 

يرى خانديلوال، السياسي الهندي، أن الهند جاهزة للاستفادة من الميزة التي خلقتها الرسوم الجمركية البالغة 145% ضد الصين في العديد من الصناعات، بما في ذلك الإلكترونيات وقطع غيار السيارات والمنسوجات والمواد الكيميائية.

وسوم :