الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

خسائر بالمليارات.. كنديون يحظرون السفر لأمريكا تحت شعار "لن أدعم ترامب"

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

غيّرت الرياح السياسية الحدود بين كندا والولايات المتحدة الذي طالما كان جسرًا نابضًا بالحياة يعبره الزوار بحثًا عن المغامرة والتسوّق والعلاج والمتعة، لتتحول بوابات العبور إلى نقاط شكّ ومخاوف، فلم يعد الأمر متعلقًا بالمسافات، بل بالأجواء.

في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأ الكنديون يشدّون رحالهم إلى أماكن أبعد، متجنّبين الجارة الجنوبية التي كانت يومًا ما الوجهة الأقرب والأحب، وحسب "بوليتيكو" الأمريكية فإن حجم التراجع الكندي في زيارة الولايات المتحدة، مدفوع بالسياسات المثيرة للجدل، وبتبدّل المزاج العام في شمال القارة.

خسائر بالمليارات

في وقتٍ تُكثّف فيه الجهات السياحية الأمريكية الكبرى رسائلها الترويجية الموجهة للكنديين، تأكيدًا على أنهم "مرحب بهم بغض النظر عن هوية الرئيس"، يبدو أن هذا النداء يضيع وسط موجة من الامتناع الشعبي المتنامي شمالًا، فقد أُلغيَت رحلات حافلات إلى مدينة نيويورك، وتراجعت رحلات التسوق اليومية، وانخفضت الحجوزات السياحية بشكل حاد.

وفقًا لـ"بوليتيكو"، أفادت شركات سياحية كندية بانخفاض قياسي في النشاط، فشركة "ترافاك تورز" في أوتاوا ألغت جميع جولاتها إلى الولايات المتحدة حتى يوليو المقبل، بينما سجّلت مجموعة سفر مقرها في فانكوفر تراجعًا بنسبة 90% في الحجوزات المستقبلية، أما "مابل ليف تورز" في كينجستون بأونتاريو، فأعلنت عن انخفاض في أعمالها بنسبة تتراوح بين 70 و80%.

تقول كريستين جيري، مؤسسة "مابل ليف تورز"، إن الأجواء العامة باتت متوترة: "لطالما قضينا أوقاتًا جميلة في أماكن مثل فلوريدا وبوسطن، أما الآن، فالقلق هو سيد الموقف، يسأل الناس: هل سأكون بأمان؟ ويقولون: لن أدعم هذا الرجل".

الامتناع الكندي عن زيارة الولايات المتحدة لا يمرّ دون تبعات اقتصادية جسيمة، تشير تقديرات شركة "إكونوميكس" لتحليل السياحة، إلى انخفاض متوقع بنسبة 20% في السفر من كندا هذا العام، ما يُكلف الاقتصاد الأمريكي 3.4 مليار دولار من الإيرادات المفقودة مقارنةً بالعام الماضي.

وفي منطقة شمال نيويورك، التي تشكّل شريطًا حدوديًا حيويًا مع كندا، أفادت دراسة حديثة بأن 66% من الشركات سجلت تراجعًا في الحجوزات الكندية، حتى المناطق التي طالما عوّلت على الزائر الكندي كمصدر دخل رئيسي باتت الآن تعاني من كساد في حركة المرور والنشاط التجاري.

سياسة "لن أدعم هذا الرجل"

السبب الرئيس خلف هذا العزوف السياحي الكندي يبدو سياسيًا بامتياز، فحسب ما وثّقته "بوليتيكو"، فإن العلاقة التاريخية بين كندا والولايات المتحدة تشهد أسوأ فتراتها، بعد أن فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على السلع الكندية، وتوعّد بسياسات ضمّ رمزية، وأطلق تصريحات وصف فيها كندا بأنها "لا تعمل إلا كدولة".

زاد من قلق الكنديين احتمال تعرّضهم للاحتجاز عند المعابر الحدودية، خاصة في ظل تقارير عن توقيف مواطنين أوروبيين وكنديين على حدود أمريكا الشمالية والجنوبية، وهو ما دفع كثيرين لإعادة التفكير في قرار زيارة الولايات المتحدة.

في محاولة للحدّ من هذه التداعيات، أطلقت مدن أمريكية عدة حملات تسويقية تُبرّئ نفسها من السياسات الفيدرالية، ساعية لطمأنة الزوار الكنديين، منظمة "زيارة كاليفورنيا" نشرت رسالة صريحة تقول فيها: "أنتم مرحب بكم ومحترمون في كاليفورنيا"، فيما أكدت منظمة "زيارة لودرديل" في فلوريدا أن الكنديين "دائمًا بين الأصدقاء".

في نيويورك، حيث اعتاد الكنديون زيارتها بكثافة، أطلقت هيئة السياحة حملة بعنوان: "مع الحب والحرية، مدينة نيويورك"، لتعزيز جاذبيتها في ظل تصاعد التوترات.

قال أندرو ريجي، المدير التنفيذي لتحالف الضيافة في المدينة: "نعلم أن لدى الناس في كندا وأوروبا تصورًا عامًا بأن نيويورك مدينة ترحب بالجميع، لكن الأمر يتطلب جهدًا واستثمارًا لتذكيرهم بذلك وسط الخطاب السياسي القومي".

المقاطعة خيار شعبي

بعد انتخابات 2016، لم ينقطع الكنديون عن زيارة مناطق أمريكية ذات طابع ليبرالي مشابه لتوجهاتهم، مثل كاليفورنيا ونيويورك وبوسطن. لكن الأمور اليوم مختلفة. تقول ماكنزي ماكميلان، مستشارة السفر في "ترافل غروب" بفانكوفر، إن الكنديين الآن في صراع داخلي: "هل أذهب؟ أم أن هذا أمرٌ يجب أن أتخذ موقفًا منه؟".

ويبدو أن هذه المقاطعة لم تعد مجرّد احتجاج رمزي، بل أصبحت خيارًا شعبيًا ينعكس على القرار اليومي.

المناطق الحدودية الأكثر تضررًا من تراجع السياحة الكندية هي تلك التي تقوم اقتصاداتها على هذا النوع من التبادل، ففي شمال نيويورك، حيث تمثل النائبة إليز ستيفانيك المنطقة، انعكس قرار ترامب فرض الرسوم الجمركية بشكل مباشر على حجم الزوار والتجارة، ورغم ترشيح ترامب لستيفانيك كسفيرة لدى الأمم المتحدة، فقد سحب ترشيحه في ظل المخاوف من تراجع نفوذ الجمهوريين في الكونجرس.

من جانبه، سعى تشاك شومر، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، لتسليط الضوء على الآثار الاقتصادية السلبية لتلك الرسوم، وسط تراجع في أعداد الزوار وتقلّص العائدات المحلية.

يقول جاري دوغلاس، رئيس غرفة تجارة شمال البلاد، إن الوضع الحالي مؤلم: "نشعر بشدة بهذا الألم، ليس فقط اقتصاديًا، بل لأن العلاقات الشعبية بين بلدينا كانت دائمًا محل تقدير كبير".

نظرة لمستقبل ما بعد ترامب

تُظهر بيانات الجمارك وحماية الحدود الأمريكية انخفاضًا بنسبة 12% في عدد المسافرين الكنديين عبر الحدود في فبراير 2025 مقارنةً بالشهر نفسه من عام 2024، ومن المتوقع أن تكون الأرقام أسوأ في مارس.

المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، قالت في تصريح لـ"بوليتيكو": "إن خطة الرئيس ترامب لجعل أمريكا آمنة وثرية ومزدهرة ستفيد الجميع، سواء أكانوا أمريكيين أم زوارًا دوليين"، لكنها أضافت تصريحًا مثيرًا للجدل عن أن السياحة ستنتعش "عندما تنتهي إدارة ترامب من ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين أشعلوا النار في ركاب مترو الأنفاق".

غير أن الكنديين، كما يقول كثير من مخططي السفر، يراهنون على مستقبل بدون ترامب، تقول كريستين جيري: "أعتقد أن التعافي سيستغرق أربع سنوات، آمل أن أكون مخطئة، لكن الضرر عميق والقلق كبير جدًا".