الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عودة التأميم إلى بريطانيا.. معركة إنقاذ آخر أفران الصلب من قبضة المستثمر الصيني

  • مشاركة :
post-title
صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في خطوة غير مسبوقة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، عن إجراءات طارئة للسيطرة على شركة "بريتيش ستيل" ومنع مالكها الصيني من إغلاق مصنع سكونثورب، في تدخل حكومي يمهد الطريق نحو تأميم محتمل للشركة الاستراتيجية في البلاد.

أزمة آخر مصانع الصلب

تواجه شركة "بريتيش ستيل" المملوكة لمجموعة "جينجي" الصينية أزمة مالية حادة، حيث تتكبد خسائر تقدر بنحو 700 ألف جنيه إسترليني يوميًا؛ ما دفع المالك الصيني للتلويح بإغلاق أفران الصهر في مصنع سكونثورب، الذي يمثل آخر منشأة متبقية في بريطانيا قادرة على إنتاج الصلب من خام الحديد، ما يجعله ذا أهمية استراتيجية خاصة، كونه ينتج الغالبية العظمى من قضبان السكك الحديدية في المملكة المتحدة، ويوفر نحو 2700 وظيفة مباشرة.

وأكد ستارمر أن "مستقبل الصلب البريطاني معلق في الميزان"، مشددًا على أنه لن يقف مكتوف الأيدي بينما يتم إغلاق آخر أفران الصهر في البلاد، وهو ما يعني إغلاق صناعة أساسية للاقتصاد الوطني.

استدعاء طارئ للبرلمان

كشفت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية أن الحكومة استدعت البرلمان بشكل طارئ خلال عطلته الرسمية لعقد جلسة لمناقشة مشروع قانون بعنوان "قانون صناعة الصلب (التدابير الخاصة)"، الذي سيمنح وزير الأعمال جوناثان رينولدز سلطات استثنائية للتدخل في إدارة الشركة.

وبموجب القانون الجديد، سيتمكن وزير الأعمال من إصدار أوامر للشركة بشراء المواد الخام اللازمة للحفاظ على استمرار عمل أفران الصهر، مع تحمل دافعي الضرائب تكاليف هذه المشتريات.

وأوضحت مصادر حكومية للصحيفة البريطانية أن المملكة المتحدة تتخذ هذه الإجراءات للحفاظ على استمرار عمل الأفران، لأنه بمجرد السماح بتوقفها، سيكون من المستحيل إعادة تشغيلها.

وأكد متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء أن "كل الإجراءات التي نتخذها هي باسم الصناعة البريطانية والوظائف البريطانية وللعمال البريطانيين"، مشيرًا إلى أن مشروع القانون "يوفر للحكومة سلطة توجيه شركات الصلب في إنجلترا، والتي سنستخدمها لحماية موقع سكونثورب".

تأميم الشركة

ذكرت صحيفة "ذا جارديان" نقلاً عن مصادر حكومية رفيعة المستوى أن مسألة تأميم الشركة ستتم معالجتها بشكل منفصل، لكن هذه المصادر أشارت إلى أن التأميم هو النتيجة المرجحة، مع احتمال البحث عن شركاء محتملين من القطاع الخاص للمشاركة في نقل الملكية والاستثمار المشترك.

ورحب اتحاد العمال "جي إم بي" بهذه الخطوة، معتبرًا إياها "الخطوة الأولى في عملية التأميم"، وأضاف أنها الطريقة الوحيدة لإنقاذ صناعة الصلب البريطانية، مشيدًا بوزير الأعمال لـ"تصرفه بحزم لحماية هذه الصناعة الحيوية وآلاف الوظائف التي تعتمد عليها".

مفاوضات متعثرة

أوضحت المصادر الحكومية للصحيفة البريطانية أن الحكومة قدمت عروضًا سخية للشركة الصينية المالكة، كان من المفترض أن يقبلها أي طرف عقلاني.

وعرضت الحكومة البريطانية دعمًا ماليًا بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني لتحويل أفران الصهر إلى أفران قوس كهربائي أنظف بيئيًا، لكن "جينجي" طالبت بمبالغ أكبر بكثير.

استمرت المفاوضات مع رئيس الشركة، لي جانبو، لمدة ثلاثة أيام بعد عرض الحكومة شراء المواد الخام للحفاظ على تشغيل المصنع للأسابيع القليلة المقبلة، في محاولة لإيجاد حل طويل الأمد، لكن يبدو أن المحادثات تعثرت عندما تراجعت "جينجي" عن الشروط المرتبطة بعرض دفع ثمن المواد الخام الجديدة.

ردود فعل متباينة

انتقدت زعيمة حزب المحافظين المعارض كيمي بادينوخ أداء الحكومة في التعامل مع الأزمة، قائلة إنها "أفسدت" المفاوضات مع شركة "بريتيش ستيل".

وأضافت: "كان يجب أن يروا هذا قادمًا منذ فترة، بدلًا من معالجة الأمر في وقت سابق من الأسبوع عندما كان البرلمان منعقدًا، أدى عدم كفاءتهم إلى استدعاء البرلمان في اللحظة الأخيرة".

كما أبدت بعض الأحزاب المعارضة غضبها من أن مصانع صناعية أخرى مهددة لم تحظَ بنفس المعاملة من الحكومة، إذ أشار حزب "بلايد كامري" إلى أن "الشعب الويلزي لن ينسى" أن مصنع الصلب في بورت تالبوت سُمح له بإغلاق أفران الصهر والتحول إلى إنتاج القوس الكهربائي، بينما سلط الحزب القومي الأسكتلندي الضوء على المعاملة المختلفة لمصفاة جرانجماوث - المصفاة النفطية الوحيدة في أسكتلندا، التي قد تغلق.

تحديات صناعية دولية

تواجه صناعة الصلب البريطانية تحديات متعددة، بما في ذلك الرسوم الجمركية بنسبة 25% المفروضة على صادرات الصلب إلى الولايات المتحدة، والتي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم تأكيد الحكومة البريطانية أن مشاكل شركة "بريتيش ستيل" ليست مرتبطة بهذه الرسوم.

تُشير الصحيفة إلى أن تدخل الحكومة البريطانية بهذه الصورة الحاسمة للسيطرة على شركة "بريتيش ستيل" يُعد خطوة غير مسبوقة في تاريخ بريطانيا الحديث، تعكس تحولًا مهمًا في سياسة الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة حزب العمال تجاه القطاعات الاستراتيجية، مع استعداد واضح للتدخل المباشر لحماية الصناعات الوطنية الحيوية، حتى لو تطلب ذلك العودة إلى سياسات التأميم التي كانت سائدة في فترات سابقة من تاريخ بريطانيا الاقتصادي.