في الخامس من إبريل من كل عام، وعلى الرغم من أية عقبات، كان يحيا الفلسطينيون يوم الطفل، إلا أنه في هذا العام -وبالطبع الذي قبله- يحلّ هذا اليوم في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لتتصدّر مأساة الطفولة الواجهة مجددًا.
أطفال غزة، الذين يُفترض أن يحتفلوا بطفولتهم، يعيشون اليوم في واقع يفترس براءتهم؛ حيث تُحاصرهم النيران من كل جانب، وتُسلب منهم أبسط حقوق الحياة وسط مشاهد الدمار والقصف والتجويع والعطش.
وفي ظل هذه الظروف المأساوية، تتصاعد الانتهاكات بحق الأطفال الفلسطينيين، من اعتقالات تعسفية إلى تعرّضهم للضرب والإهانة داخل سجون الاحتلال، في انتهاك صارخ لجميع القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية.
وفي هذا السياق، سلّط موقع "القاهرة الإخبارية" الضوء على هذه المعاناة، في تقرير خاص كشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها أطفال غزة، غير أن الكلمات تقف عاجزة عن وصف واقعٍ يفوق الاحتمال.
حرمان كامل
البداية كانت مع المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور خليل الدقران، الذي قال في حديثه لموقع "القاهرة الإخبارية": "إنه في يوم الطفل الفلسطيني، لا تزال الإبادة الجماعية متواصلة لأكثر من عام ونصف العام، حُرِمَ على أثرها الأطفال من أبسط حقوقهم في تناول الغذاء وتلقي الرعاية الصحية"، مؤكدا أن ما يحدث لأطفال غزة كارثة صحية وإنسانية.
وذكر "الدقران": "يعيش أطفال غزة وضعًا مأساويًا، إذ يتعرّض نحو مليون طفل لصدمات نفسية ويعيشون ظروفًا صعبة ويُقصفون يوميًا بالقنابل والصواريخ، وتهددهم أهوال الموت يوميًا، فضلا عن تنقلهم من مكان لآخر بسبب النزوح القصري، وممارسة الاحتلال بحقهم سياسة التجويع والتعطيش".
خطة لقتل الأطفال
صرّح "الدقران" بأن "جيش الاحتلال يشن حملة ممنهجة لقتل عدد أكبر من أطفال قطاع غزة، الذي يضم تركيبه السكاني أكثر من 40% من الأطفال"، موضحًا أن العدوان الإسرائيلي تسبب في استشهاد نحو 16 ألفًا و500 طفل، من بينهم 275 رضيعًا، و875 دون سن العام، إلى جانب استشهاد 52 طفلًا بسبب سوء التغذية و17 طفلًا نتيجة البرد القارس، فيما اعتقل 1100 طفل ولا يزال 5 آلاف طفل مفقودين تحت الركام.
كذلك أشار الدقران إلى استشهاد نحو 200 طفل في الضفة الغربية المحتلة وإصابة 660 طفل آخرين، مؤكدًا أن "هذه الأعداد الكبيرة من الأطفال تعتبر أكبر عدد قتل للأطفال في التاريخ الحديث والقديم".
إعاقات بسبب القصف
ويستكمل المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور خليل الدقران، سرد الفظائع الإسرائيلية تجاه أطفال غزة، قائلًا: "يوجد في غزة نحو 4500 طفل معاقين حركيًا، منهم عدد كبير مبتورين الأطراف العلوية والسفلية، وكذلك أصيب العديد منهم بالعمى والطرش، جراء الاستهداف المباشر من جيش الاحتلال".
وأضاف أن 2500 طفل مرضى بالسرطان ولا يوجد لهم دواء، حيث نسف جيش الاحتلال مستشفى الصداقة التركي بالكامل، وهو الوحيد في القطاع الذي يقدم خدمات صحية لجميع مرضى الأورام، مضيفًا: "650 ألف طفل بحاجة إلى تلقي التطعيمات ولا نزال ننتظر دخولها من المعابر إلى القطاع، ونخشى على حياة هؤلاء الأطفال إذا استمر جيش الاحتلال في تضيق حصاره ومنع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية".
أطفال غير مكتملين
وعن وضع الأطفال الرضع، أشار "الدقران" إلى إصابتهم بسوء التغذية، بسبب عدم وجود حليب أطفال في غزة، هذا غير المواليد غير المكتملين صحيًا (الخدّج)، الذين لا توجد لهم حضانات بعدما دمّر الاحتلال معظمها.
وأوضح أن "العديد من الأمراض المعدية انتشرت بين الأطفال، أبرزها التهاب الكبد الوبائي والنزلات المعوية والتهاب الجهاز التنفسي والكلى والثلاسيميا والأمراض الجلدية بشتى أنواعها"، كذلك "انتشر بين الأطفال أمراض مثل شلل الأطفال، حيث قمنا بعملية تطعيم على 3 مراحل وبقيت المرحلة الرابعة إلا أن جيش الاحتلال يمنع إدخال التطعيمات".
المستشفيات خارج الخدمة
وبالطبع يؤثر الاعتداء المتكرر على مستشفيات غزة على الأطفال، إذ قال الدقران إنه: "خلال فترة حرب الإبادة خرجت 27 مستشفى عن الخدمة من أصل 38 ولم يبق سوى 11 منها 6 مستشفيات صغيرة جدًا، وجميعها تعمل بشكل جزئي في ظروف صعبة جدًا في ظل نقص كبير للمستلزمات الطبية والدواء".
وتعاني المستشفيات في غزة من نقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية، بلغت نسبته أكثر من 85%، وعليه فهي لا تستطع استقبال الأعداد الكبيرة من الإصابات التي تصل إليها.
وأكد "الدقران" أن الكثير من الأطفال الموجودين في المستشفيات بحاجة إلى عمليات جراحية وتلقي العلاج خارج القطاع، إلا أن جيش الاحتلال يغلق المعابر ويتم السماح لأعداد قليلة جدًا لا تتجاوز 3% بالخروج.
أطفال بلا تعليم
وبشأن التعليم، صرّح المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، صادق خضور، في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية"، بأن العدوان الإسرائيلي تسبب في تدمير أكثر من 90% من المدارس وتعطيل المسيرة التعليمية في غزة، إلى جانب صدمات نفسية وحالات هلع للطلاب.
وقال "خضور": "يصنّف حق التعليم من ضمن الحقوق غير القابلة للتصرف، إلا أنه انتهك من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، ففي الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن حق الأطفال في تلقي التعليم المنصف والعادل والشامل، نجد أطفال فلسطين يحرمون من أي نوع تعليم عادل، فلا توجد مدارس آمنة سواء في غزة أو حتى في مناطق بالضفة الغربية المحتلة كما هو الحال في جنين وطولكرم".
طلاب غزة شهداء
وأوضح خضور "أن أكثر من 15 ألف طفل استشهدوا، منهم نحو 5 آلاف طفل من ذوي الإعاقة، هذا غير أكثر من 20 ألف طفل جريح، ونحو 700 شهيد من الكوادر التعليمية".
وأضاف" الحرب تسببت في حرمان 630 ألف طالب من التعليم، إضافة إلى 60 ألف طالب كان من المفترض أن يلتحقوا بالمدارس في العام الثاني من عمر الحرب المتواصل"، مشيرًا إلى "حرمان الأطفال في أوائل العمر، من التعليم في مرحلة رياض الأطفال التي لا يواليها الكثير الأهمية، والتي لا تذكر في التقارير التي تتحدث عن الأضرار التي ارتبطت بالعدوان".
تضاعف الأزمة
كانت غزة تعاني نقصًا في المدارس قبل الحرب، إذ كان لديها 442 مدرسة تداوم في 307 مباني حكومية، وكانت تعمل 135 مدرسة بنظام الفترتين الصباحي والمسائي، لكن العدوان على غزة فاقم هذه المشكلة، حيث تحولت عشرات المدارس إلى ملاجئ وأماكن إيواء، والحديث هنا عن تلك المدارس القليلة التي نجت من التدمير الكامل.
وذكر "خضور": "في حال انتهاء الحرب، سنضطر إلى العمل بنظام الثلاث فترات في المدارس التي يتم استئناف العمل فيها، وقد حدث ذلك بالفعل في الفترة التي شهدت وقف إطلاق النار، حيث إننا توسعنا في عدد المراكز التعليمية التي كانت تقام على أطراف المدارس المدمرة".
أطفال في السجون
ولا فرق بين كبير وصغير في سجون الاحتلال، إذ كشف المتحدث باسم نادي الأسير الفلسطيني، عبد الله زغاري، لموقع "القاهرة الإخبارية"، عن اعتقال الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 350 طفلًا، من بينهم أكثر من 100 طفل معتقلين إداريًا.
وقال "زغاري": "يواجه الأطفال المعتقلون جرائم التعذيب، والتجويع، والإهمال الطبي، إلى جانب عمليات السلب والحرمان، التي أدت أخيرًا إلى استشهاد أول طفل في معتقلات الاحتلال منذ بدء الإبادة الجماعية وهو وليد أحمد (17 عامًا) من بلدة سلواد شرق رام الله الذي استشهد في معتقل مجدو".
عدد مجهول
أوضح "زغاري" أن "حملات الاعتقال تصاعدت بحق الأطفال، سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، التي سُجل فيها ما لا يقل عن 1200 طفل، أو في غزة التي لم تتمكن المؤسسات من معرفة أعدادهم بسبب استمرار جريمة الإخفاء القسري، والتحديات التي تواجه المؤسسات في متابعة قضية معتقلي غزة، ومنهم الأطفال".
رهائن عن ذويهم
واستدعى "زغاري" جرائم أخرى تنفذها قوات الاحتلال ضد أطفال غزة، قائلًا: " يستخدم جيش الاحتلال العديد من الأطفال رهائن للضغط على أحد أفراد العائلة لتسليم نفسه، وعمليات الاستدعاء من قبل مخابرات الاحتلال، حيث يتم إجبار ذوي الأطفال على إحضارهم لإجراء مقابلات خاصة معهم".
واحتلت جريمة التّجويع التي تُمارس بحق المعتقلين ومنهم الأطفال، السطر الأول في شهاداتهم بعد العدوان، فالجوع يخيم على أقسام الأطفال بشكل غير مسبوق، ما يضطر العديد منهم للصوم لأيام جراء ذلك، وما تسميه إدارة معتقلات بالوجبات، هي فعليًا مجرد لقيمات.
تدمير حياة الأطفال
أماني الأسطل.. نازحة في منطقة المواصي بخان يونس جنوب القطاع، روت لموقع "القاهرة الإخبارية"، معاناة طفلتها الوحيدة ألين البالغة من العمر 9 سنوات، في ظل الحرب المتواصلة على غزة.
وقالت الأسطل (29 عامًا): "تدمرت حياة ابنتي التي كانت مليئة بالمرح والمغامرات والتنقل بين المدرسة وأماكن الأطفال الترفيهية وحديقة الحيوان".
وتابعت: "الآن تقضي ابنتي حياتها في التكيات وطوابير المياه وانتهت الخصوصية بوجودنا بمكان يعيش فيه أكثر من 26 شخصًا، وسط كل هؤلاء الأشخاص لا تستطيع ابنتي التعبير عما تفكر وتريد".
رعب الأطفال
وكشفت الأسطل المزيد من المعاناة، إذ قالت: "لم يعد هناك أي وجود للمدارس والأماكن التعليمية الترفيهية، ناهيك عن القصف المستمر والنزوح المتواصل، فإذا تعوَّد أطفالنا على الوجود بمكان، تأتي أوامر جيش الاحتلال بإخلائه والنزوح إلى مكان آخر".
وقالت: "تتذكر ابنتي دائمًا قصف أحد المساجد بالقرب من المكان الذي كنا نوجد به، حيث تطايرت الأحجار والركام حولها، فسارعت إليها واستطعت سحبها من بين الركام.. كانت ثواني تفصلها عن سقوط حجر كبير على رأسها".
واختتمت حديثها قائلة: "تعاني ابنتي من فقدان الأمان، والنوم دون سماع دوي القصف والانفجارات، والخوف من فقدان أحبائها، وتتمنى انتهاء الحرب وأن تعود إلى حياتها الطبيعية، حيث الذهاب إلى المدرسة واللعب مع أصدقائها".
الأطفال أصحاب مسؤولية
أما محمد بركة، ويعمل كناشط في فريق عمل طوعي لتنفيذ أنشطة ترفيهية وتعليمية للأطفال، فيروي بالدموع ما يمر به أطفاله بل وجميع أطفال غزة من ظروف صعبة وحالكة، من نقص الأمن إلى انعدام الأمان الغذائي، وما زاد بتحمل بعض الأطفال مسؤولية عائلاتهم بجلب المياه والطعام.
وقال "بركة"، وهو أب لبنت وولدين تتجاوز أعمارهم بين 4 و7 و8 سنوات: "قبل الحرب، كنا ننعم بحياة جميلة وتعليم وراحة بال، حيث نستطيع توفير كل ما يحتاجه أطفالنا، لكن جاءت الحرب ودمّرت كل شيء، لقد خسرت مصدر رزقي ومشروعي الخاص بفعل العدوان، وأعيش الآن ظروفًا معيشية صعبة، حيث تمر العديد من الأيام التي لا أكون فيها قادرًا على الحصول على الخبز والطعام للأطفال".
وتابع: "خسر أطفالي تعليمهم، وصحتهم تتراجع كل يوم عن الآخر بسبب قلة الطعام وانعدام وجود المواد الغذائية التي تحسّن من صحتهم، وأتمنى من الله أن تزول هذه الغمة عنا".
بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني، طالب كل هؤلاء المسؤولين والنازحين، بتدخل عاجل من قبل المنظمات الدولية، للضغط على الاحتلال ووقف سياسة تجويع الأطفال قبل فوات الأوان، ومنح أطفال غزة حقهم في التعليم وتلقي الرعاية الصحية وفقًا لقوانين حقوق الإنسان.