تزايدت التحذيرات من اشتعال الحرب التجارية عالميًا مع فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رسومًا جمركية، خاصة مع رد الصين عليها بإجراءات مماثلة.
وأشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فتيل حرب تجارية جديدة مع الصين عبر فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على كافة الواردات إلى الولايات المتحدة، مع تعريفات إضافية خاصة بالمنتجات الصينية بلغت 54%، في حين لم تتأخر بكين في الرد، فأعلنت فرض رسوم جمركية بنسبة 34% على الواردات الأمريكية، ما زاد من حدة التوتر التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.
حرب تضر بأمريكا والصين
ويرى الدكتور أنور القاسم، الخبير الاقتصادي، في تصريحات لـ"القاهرة الإخبارية"، أن العالم قد يشهد حربًا اقتصادية حقيقية تقوض النمو العالمي وتحدث أزمات اقتصادية كأسوأ سيناريو. وحذر من التداعيات الخطيرة لهذه المواجهة التجارية، قائلًا: "تعتمد الصين، كما نعلم، على التجارة والصادرات الخارجية، خاصة مع الولايات المتحدة، لذلك فإن رفع الرئيس ترامب للتعريفات الجمركية واستهداف الصين أكثر من غيرها، عمليًا سيضر بأكبر اقتصادين على المستوى القريب والمتوسط".
ويضيف القاسم: "سيضعف ذلك نسبة النمو المستهدفة في بكين، وهي 5 بالمئة لهذا العام، بينما سيرفع أسعار المواد على المستهلك الأمريكي، ما قد يقود إما إلى بعض الكساد أو الركود".
تصاعد المواجهة
وصفت وزارة التجارة الصينية إجراءات واشنطن بأنها "ممارسة نموذجية للتنمر الأحادي" و"لا تتماشى مع قواعد التجارة الدولية"، مضيفة أنها "تقوض بشكل خطير حقوق ومصالح الصين المشروعة".
لم تكتفِ بكين بفرض الرسوم الجمركية فحسب، بل أعلنت أيضًا عن فرض المزيد من القيود على تصدير المعادن النادرة الحيوية للصناعات التكنولوجية المتقدمة، وأضافت 16 شركة ومؤسسة أمريكية إلى قائمة الرقابة على الصادرات.
رد ترامب على هذا التصعيد عبر منصة "تروث سوشيال" قائلاً: "الصين تصرفت بشكل خاطئ، لقد ذعروا، الشيء الوحيد الذي لا يمكنهم تحمله!"
مخاوف من ركود عالمي
تسببت هذه المواجهة التجارية في انهيار حاد بالأسواق المالية العالمية، إذ خسرت الأسهم الأمريكية نحو 2.4 تريليون دولار من قيمتها السوقية، وانخفض مؤشر "فوتسي 100" في لندن بأكثر من 300 نقطة في أكبر تراجع يومي له منذ مارس 2023.
كما هبط سعر خام برنت بنسبة 6.6% ليصل إلى 65.50 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ أغسطس 2021، مما يعكس المخاوف المتزايدة بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
ورفع بنك الاستثمار "جي بي مورجان" توقعاته لاحتمالية دخول الاقتصاد العالمي في ركود بنهاية العام من 40% إلى 60%.
القطاعات الأكثر تضررًا
يشرح الدكتور القاسم القطاعات الأكثر تأثرًا قائلاً: "أكثر ما تعاني منه الصناعات الصينية في اعتقادي سيكون الصلب والألمنيوم والسيارات، وهذه قطاعات ضخمة، تؤثر بدورها على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ما بين 0.5% و1%."
ويضيف: "تأتي في المرتبة الثانية من صادرات الصين إلى الولايات المتحدة الإلكترونيات والآلات الكهربائية، إضافة إلى المنسوجات والملابس، في المقابل ستضرّ الرسوم الجمركية بالمصنعين الأمريكيين والمستهلكين على حد سواء".
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن شركات التجارة الإلكترونية الصينية مثل "تيمو" و"شين" ستتأثر بشكل كبير، خاصة بعد إغلاق "ثغرة الـ 800 دولار" التي كانت تسمح بإعفاء الشحنات منخفضة القيمة من الرسوم الجمركية.
ومن المقرر أن تخضع هذه الشحنات، اعتبارًا من 2 مايو، لرسوم تبلغ 30% من قيمة البضائع، أو 25 دولارًا، ترتفع إلى 50 دولارًا في يونيو.
استراتيجيات التكيف
يقدم الخبير الاقتصادي رؤية حول إمكانيات التكيف مع الأزمة: "قد تستطيع الصين تخفيف هذه الصدمة من خلال رفع صادراتها للصلب باعتبارها أكبر منتج للصلب في العالم، أكثر من 100 مليون طن من المعدن هذا العام، ريثما تجد بدائل دولية للتصدير".
ويضيف: "تستطيع دول مثل الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا والمكسيك واليابان وغيرها، تعويض الخسارة مع الولايات المتحدة من خلال فرض ضرائب متبادلة والتعاون فيما بينها لتعويض الخسائر في السوق الأمريكية، كما أن بعض الشركات الكبرى تستطيع أن تنقل بعض إنتاجاتها إلى الولايات المتحدة لتجنب الرسوم".
مستقبل التجارة العالمية
لجأت الصين إلى منظمة التجارة العالمية برفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة، في محاولة لمواجهة السياسة الأمريكية عبر القنوات الدولية، إلا أن مستقبل هذه الدعوى، ومعها مستقبل منظمة التجارة العالمية نفسها، يبدو غامضًا.
يختتم الدكتور القاسم تحليله بنظرة مستقبلية حذرة: "في المحصلة، الأسواق ستفرض رأيها على الجميع، رغم أننا قد نشهد انحسار منظمة التجارة العالمية وتغير آليات التجارة الدولية، وقد نشهد حربًا اقتصادية حقيقية تقوض النمو العالمي وتحدث أزمات اقتصادية كأسوأ سيناريو".