تظل الهيمنة الجوية أحد العوامل الحاسمة في الصراعات العسكرية الحديثة، ومع استمرار الحرب بأوكرانيا، تواجه الدول الداعمة لكييف تحديات في تحديد المتطلبات الدفاعية اللازمة لحماية أجوائها خلال أي وقف محتمل لإطلاق النار.
في تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، سلط الضوء على الحاجة إلى قوة جوية قادرة على تأمين سماء أوكرانيا وردع أي استفزازات روسية، في سياق المفاوضات المحتملة لعملية السلام.
وبناء على تجارب حلف شمال الأطلسي "الناتو" في مراقبة الأجواء، يتطلب تأمين المجال الجوي الأوكراني ما بين 40 إلى 160 طائرة، إضافة إلى منظومة دفاع جوي متكاملة لضمان سلامة الأجواء واستقرار وقف إطلاق النار.
التفوق الجوي في الصراع
ويعد التفوق الجوي عنصرًا محوريًا في الحرب الأوكرانية، إذ تستخدم روسيا الطائرات والصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة لاستهداف البنية التحتية والمدنيين، وفي السياق ذاته، يحتاج أي اتفاق لوقف إطلاق النار إلى قوة ردع جوية قادرة على حماية الأجواء الأوكرانية ومنع أي خروقات محتملة.
ويعتمد الناتو منذ عقود على مهام "مراقبة الأجواء" لحماية المجال الجوي للدول الأعضاء، إذ تتضمن هذه المهام نشر طائرات مقاتلة بشكل دوري لاعتراض أي تهديدات جوية محتملة.
ومنذ عام 1961، نفذ الناتو مهام مراقبة الأجواء في مناطق مختلفة، بدءًا من أيسلندا ودول البلطيق إلى البلقان والجناح الشرقي للحلف، وازدادت أهمية هذه المهام بعد الحرب الروسية الأوكرانية في 2014، ما دفع الناتو إلى تعزيز وجوده الجوي في مناطق مثل رومانيا وبلغاريا ودول البلطيق.
تحديات تواجه أوكرانيا
تتطلب حماية المجال الجوي الأوكراني تنسيقًا كبيرًا بين الطائرات المقاتلة ومنظومات الدفاع الجوي الأرضية، إذ يمكن تبني استراتيجيات دفاعية تعتمد على حماية الأصول الحيوية أو توسيع نطاق الدفاع ليشمل مناطق أوسع.
وتتضمن هذه الاستراتيجيات الدفاع النقطي الذي يركز على حماية مواقع استراتيجية مثل المطارات والمنشآت الحيوية، ما يقلل من الحاجة إلى عدد كبير من الطائرات، لكنه يترك أجزاءً من المجال الجوي الأوكراني مُعرضة للتهديد.
وكذلك الدفاع عن المنطقة الذي يهدف إلى إنشاء منطقة حظر جوي واسعة عبر استخدام مزيج من الطائرات المقاتلة والدفاعات الأرضية، وهو النهج الأكثر فاعلية لكنه يتطلب موارد كبيرة.
قدرات مطلوبة لحماية السماء
بناء على تحليل العمليات الجوية للناتو، يُقدر التقرير أن تأمين أجواء أوكرانيا في أثناء وقف إطلاق النار يتطلب من 40 إلى 160 طائرة مقاتلة موزعة على 3 قواعد جوية رئيسية، إضافة إلى أنظمة دفاع جوي أرضية متكاملة لتعزيز قدرة الردع ومنع الاختراقات الجوية.
وتحتاج إلى دعم استخباراتي ولوجستي من دول حلف شمال الأطلسي وشركاء آخرين، وأيضًا طائرات إنذار مبكر "أواكس" وطائرات التزود بالوقود للحفاظ على قدرة الطائرات المقاتلة على البقاء في الجو لفترات طويلة.
التكامل مع القوات الجوية الأوكرانية
تشير التوصيات إلى أهمية دمج الدفاعات الجوية الأوكرانية مع القوات الجوية لحلف الناتو أو أي تحالف آخر لدعم عمليات الشرطة الجوية، ويتطلب هذا التنسيق نقل التكنولوجيا، وتدريب الطيارين الأوكرانيين على تشغيل الطائرات الحديثة، إضافة إلى تزويد كييف بأنظمة دفاع جوي متقدمة قادرة على مواجهة التهديدات الروسية.
وتضمن التحديات اللوجستية والاستراتيجية القدرة على الانتشار السريع، إذ تحتاج القوات الجوية المسؤولة عن تأمين المجال الجوي الأوكراني إلى إمكانية الانتشار السريع والتمركز في القواعد الجوية بأمان، إضافة إلى التكلفة العالية، إذ يتطلب تشغيل دوريات جوية مستمرة موارد مالية وبشرية كبيرة، ما قد يُشكل عبئًا على الدول المشاركة في المهمة، وكذلك الردع الفعّال لتكون القوة الجوية قادرة على إرسال رسالة واضحة لموسكو بأن أي خرق لوقف إطلاق النار سيُقابل برد عسكري سريع وحاسم.
التوصيات والاستنتاجات
يشير التقرير إلى أن إنشاء قوة جوية متعددة الجنسيات لحماية الأجواء الأوكرانية يمكن أن يكون أداة ردع قوية، لكنه يتطلب التزامًا دوليًا مستدامًا، وفي غياب هذه القوة، من المرجح أن تستمر روسيا في اختبار مدى التزام الغرب بالدفاع عن أوكرانيا من خلال شن ضربات جوية وصاروخية.
ويدعو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى تبني استراتيجية دفاع جوي شاملة تتضمن تعزيز الدفاعات الجوية الأوكرانية عبر تزويدها بأنظمة متطورة، ونشر قوات جوية متعددة الجنسيات للحفاظ على السيطرة الجوية خلال وقف إطلاق النار.
ودعا إلى تكثيف التعاون مع الناتو والاتحاد الأوروبي لضمان استمرار الدعم اللوجستي والاستخباراتي، والاستثمار في تطوير القدرات الدفاعية الأوكرانية لضمان قدرتها على الدفاع عن نفسها في المستقبل دون الاعتماد الكلي على الحلفاء.