الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

آفاق التقارب الأوروبي الروسي

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الروسي ورئيس وزراء سلوفاكيا

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

على الرغم من موقف عدد من الدول الأوروبية المتشدد والداعم لأوكرانيا، اقتصاديًا وعسكريًا، فى صراعها مع روسيا، إلا أن ثمة تبلور لملامح توجهات أوروبية نحو الانفتاح على روسيا، وذلك في محاولة لإيجاد تسوية سلمية للصراع الروسي الأوكراني الذي شارف على إنهاء عامه الثالث وارتفعت تكلفته الاقتصادية والأمنية، وتجلت بوادر ذلك التقارب في زيارة رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان فى يونيو 2024 إلى روسيا ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كمهمة سلام لتسوية الصراع الروسي الأوكراني، وكذلك الاتصال الهاتفي بين المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في نوفمبر 2024، والذي جاء بمبادرة من برلين وتم خلاله مناقشة الأزمة في أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط، والعلاقات الروسية الألمانية وفقًا لبيان الكرملين، فضلًا عن زيارة رئيس وزراء سلوفاكيا إلى روسيا في 22 ديسمبر 2024، وإعلان عزم بلاده التوسط لتسوية الصراع الروسي الأوكراني.

آفاق التقارب الأوروبي الروسي
مؤشرات التقارُب

هناك العديد من المؤشرات التى تعكس نوعًا من التقارب الأوروبي الروسي، وهو ما يمكن الإشارة إليه في التالي:

(*) الاتصال الهاتفي بين بوتين وشولتس: جاء الاتصال الهاتفي بين المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 نوفمبر 2024، والذي اعتُبِر الأول منذ عامين. ووفقًا لبيان الكرملين، جاءت المحادثات بمبادرة من برلين وتم تبادل وجهات النظر بشكل منفصل وصريح حول الوضع في أوكرانيا، وأن الاتفاقات المحتملة لإنهاء الحرب في أوكرانيا يجب أن تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية للاتحاد الروسي، وتنطلق من الواقع الجديد على الأرض، والأهم من ذلك معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، كما أبلغ بوتين شولتس أن الحرب كانت نتيجة لسنوات من السياسة العدوانية التي انتهجها حلف شمال الأطلسي "الناتو"، واتهم بوتين الحلف بالسعي إلى تحويل أوكرانيا إلى منطقة انتشار موجهة ضد روسيا. فيما قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية إنَّ شولتس حثَّ الرئيس الروسي على إنهاء الحرب في أوكرانيا وسحب القوات مشددًا على أن ألمانيا ستواصل دعم كييف ما دامت بحاجة إلى ذلك.

(*) زيارة فيكتور أوربان إلى روسيا: جاءت زيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى روسيا في 5 يوليو 2024 ولقاؤه مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي عبر عن أمله في أن تتاح الفرصة لتبادل وجهات النظر حول بناء العلاقات الثنائية في هذا الوضع الصعب، وبالطبع الحديث عن آفاق تطور أكبر أزمة أوروبية، ويعني الاتجاه الأوكراني، مؤكدًا أنه سيطلع رئيس الوزراء المجري على تفاصيل مقترحات موسكو للتوصل إلى تسوية سلمية في أوكرانيا. 

وأثارت تلك الزيارة عاصفة من الانتقادات في الأوساط الأوروبية باعتبارها تقويضًا لوحدة الاتحاد والتزاماته، وحذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين رئيس الوزراء المجري من أنه لا يمكن استرضاء الرئيس الروسي بزيارة إلى موسكو، ولن يمهد الطريق لسلام شامل وعادل ومستدام في أوكرانيا إلا الوحدة والعزيمة، كما انتقد مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تحرك أوربان، وأنه لم يحصل على تفويض من الاتحاد الأوروبي لزيارة روسيا، مشددًا على أن بروكسل تستبعد إجراء اتصالات رسمية مع موسكو، وأن تولى المجر رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي حتى 31 ديسمبر 2024، لا يمنحها حق تمثيل الاتحاد الأوروبي في الخارج إلا أن أوربان ردَّ على بوريل بتاكيد أن اتصالاته مع الجانب الروسي حول الأزمة الأوكرانية تنطلق من صفته رئيسًا لوزراء بلاده وليس نيابة عن الاتحاد الأوروبي.

(*) زيارة رئيس وزراء سلوفاكيا إلى روسيا: جاءت زيارة رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو إلى روسيا في 22 ديسمبر 2024. ووفقًا للمتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف فإن بوتين استقبل رئيس وزراء سلوفاكيا الذي يقوم بزيارة عمل، مشيرًا إلى أنه من بين الموضوعات التى يتم مناقشتها قضايا الأجندة الدولية ومسألة نقل الغاز.

دوافع التقارُب

هناك العديد من الدوافع التى أسهمت في بوادر التقارب الأوروبي الروسي، والتي يمكن إبراز أهمها على النحو التالي:

(*) دوافع اقتصادية: تشكل الطاقة المتغير الأبرز للتقارب بين عدد من الدول الأوروبية وروسيا، لاسيما وأن الصراع الروسي الأوكراني أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة فى ظل اعتماد أوروبا على 40% من استهلاكها من الغاز على روسيا حتى اندلاع الصراع. لذلك أفادت تقارير إعلامية بأن بوتين أبلغ شولتس حلال الاتصال الهاتفي أن روسيا كانت دائمًا تحترم العقود الخاصة بتصدير الطاقة إلى ألمانيا، وهي مستعدة لاستئناف التعاون ذي المنفعة المتبادلة. فيما أشار المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو ربما أراد مناقشة إمدادات الغاز الطبيعي خلال زيارته إلى موسكو مع بوتين، بعد أن أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن حكومته لن تمدد اتفاقية عبور الغاز مع سلوفاكيا، والتى تم توقيعها عام 2019 بين روسيا وأوكرانيا متهمًا فيكو بمساعدة بوتين في تمويل غزو أوكرانيا من خلال شراء الغاز الطبيعي من روسيا، وذلك وفقًا لما نقلته "مجلة بوليتيكو" الأوروبية. 

وشكَّل سعى كل من سلوفاكيا والمجر لإقناع كييف بتجديد اتفاق الغاز بين روسيا وأوكرانيا على اعتبار أن إنهاء العمل به قد يؤدي إلى زيادة أسعار الطاقة، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء السلوفاكي، للتهديد بأن بلاده قد توقف إمداد للكهرباء إلى أوكرانيا في المقابل.

(*) تصاعد دور اليمين المتطرف: يشكِّل صعود دور اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية دافعًا داعمًا للتقارب الأوروبي مع روسيا، إذ تتبنى بعض الأحزاب اليمينية فى عدد من الدول الأوروبية دعوات لوقف الحرب الروسية الأوكرانية التى كانت لها تداعياتها المباشرة على الاقتصادات الأوروبية التى تعاني من أزمات معقدة ترتبط بارتفاع أسعار الطاقة، وتزايد المشكلات الاجتماعية التي لها انعكاساتها المباشرة على التماسك والاستقرار الأوروبي.

(*) طرح مبادرات لتسوية الصراع الروسي الأوكراني: تشكِّل مبادرات تسوية الصراع الروسي الأوكراني أحد مداخل التقارب الأوروبي الروسي، ووُصفت زيارة رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان إلى روسيا باعتبارها مهمة سلام. كما أعربت سلوفاكيا عن استعدادها لاستضافة مباحثات سلام بشأن أوكرانيا، بعدما أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موافقته على أن تصبح براتيسلافا (عاصمة سلوفاكيا) منصة للحوار بشأن الحرب. وهو ما عبَّر عنه رئيس الوزراء السلوفاكي يواري بلانار قائلًا: "تعرض الأراضي السلوفاكية مفاوضات كهذه مع اقتراب الحرب إتمام عامها الثالث"، وتعتبر سلوفاكيا من الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تشكك في جدوى الدعم لأوكرانيا، وتدعم المفاوضات مع روسيا.

(*) عودة ترامب: تشكِّل عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لولاية ثانية دافعًا نحو اتجاه عدد من الدول الأوروبية نحو التواصل مع روسيا، لاسيما فى ظل تبني ترامب لمواقف مسبقة إزاء أوروبا منها ضرورة اعتمادها على حماية أمنها بدلًا من استنزاف الموارد الأمريكية، ومطالبته لرفع نسب الإنفاق العسكرى للدول الأعضاء فى حلف الناتو، فضلًا عن عزمه فرض رسوم جمركية على السلع والواردات الأوروبية بما سيكون له مردوده المباشر على الاقتصاد الأوروبي الذى يحتاج إلى استعادة التوازن الاقتصادي، وربما يكون ذلك من خلال الاتجاه نحو روسيا، والتي لا يزال امتلاكها للطاقة الأرخص من البدائل الأوروبية الأخرى متغيرًا مؤثرًا تحتاجه أوروبا.

مجمل القول، برغم التوجهات الأوروبية المحدودة نحو التقارب مع روسيا، إلا أن المسار الأكثر ترجيحًا يرتبط باحتمالية استمرار التباعد في العلاقات الأوروبية الروسية في ظل اتجاه الدول الأوروبية للبحث عن بدائل للغاز الروسي منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني وتأثر الإمدادات، فضلًا عن إعلان أوكرانيا رفضها تمديد اتفاق نقل الغاز الروسي عبر أراضيها مطلع يناير 2025 وتقليل المفوضية الأوروبية من تداعيات توقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا وأن الاتحاد مستعد لمواجهته. يضاف إلى ذلك صعوبة التعاطي الأوروبي مع رؤية بوتين والتي يتبنى فيها أن أي مفاوضات سلام مع أوكرانيا يجب أن تتضمن تخليها عن شبه جزيرة القرم والأقاليم الأربعة التى احتلتها روسيا، بالإضافة إلى تنازل أوكرانيا عن فكرة الانضمام إلى حلف الناتو.