في ظل أجواء متوترة وإيقاع متصاعد للأحداث على الساحة الدولية، أعلنت روسيا تعديلًا جذريًا في عقيدتها النووية. هذا القرار، الذي جاء في اليوم الألف من الحرب الروسية الأوكرانية، يعكس مرحلة جديدة من التصعيد في العلاقة بين القوى الكبرى، حيث تتشابك المصالح الاستراتيجية مع الصراعات العسكرية.
ووسط تصاعد المواقف بين موسكو والغرب، أعاد الكرملين صياغة شروط استخدام الأسلحة النووية، مشيرًا إلى أن الظروف الدولية تحتّم توسيع نطاق الردع ليشمل حتى التهديدات التقليدية المدعومة من قوى نووية، هذا التحرك يحمل إشارات متعددة إلى مستقبل أكثر غموضًا فيما يخص الأمن الدولي.
تحديث العقيدة النووية الروسية
في خطوة وصفها مراقبون بأنها الأبرز منذ عقود، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسميًا على إدخال تعديلات على العقيدة النووية لبلاده. العقيدة الجديدة تنص على "أن أي هجوم من دولة غير نووية، إذا كان مدعومًا بقوة نووية، سيتم التعامل معه باعتباره هجومًا مشتركًا على روسيا"، مع إمكانية الرد النووي في حال تعرّض روسيا لهجوم كبير بأسلحة تقليدية، شريطة أن يكون هذا الهجوم مدعومًا من قِبل دولة تمتلك ترسانة نووية.
وفقًا لوكالة الأنباء الروسية "تاس"، فإن هذه التعديلات تضع أي تهديد خطير لسيادة روسيا، بما في ذلك الهجمات التقليدية باستخدام الصواريخ أو الطائرات، ضمن نطاق الردع النووي. كما تشمل العقيدة الجديدة الحماية المباشرة لحلفاء موسكو مثل بيلاروسيا، ما يعكس توسعًا في تعريف التهديدات التي قد تستدعي استخدام القوة النووية.
أبعاد التصعيد بين التحذير والعمل العسكري
جاءت هذه التعديلات بعد أيام فقط من إعلان الولايات المتحدة عن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لقصف أهداف عسكرية داخل العمق الروسي. وسرعان ما استجابت كييف لهذه الخطوة، حيث أفادت التقارير باستخدام صواريخ "أتاكمس" لاستهداف منشأة عسكرية في منطقة بريانسك الروسية.
في تعليق على هذا التصعيد، أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن هذه التحركات تمثل مرحلة جديدة وخطيرة في الصراع. وأضاف "أن العقيدة الجديدة تهدف إلى إيصال رسالة واضحة إلى الأعداء المحتملين، مفادها أن روسيا مستعدة للرد بوسائل نووية في حال تجاوز الخطوط الحمراء".
ردود الفعل الدولية
فيما رحّبت أوكرانيا بالدعم العسكري الجديد من الولايات المتحدة، أثارت هذه الخطوات مخاوف كبيرة في المجتمع الدولي. إذ أعرب الكرملين عن قلقه من أن استخدام الأسلحة الأمريكية يعكس مشاركة مباشرة للولايات المتحدة وحلفائها في الصراع، ما يزيد من احتمالات اندلاع مواجهة أوسع نطاقًا.
أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فقد وصف العقيدة الروسية الجديدة بأنها دليل على نوايا بوتين لاستمرار الحرب بدلًا من السعي إلى إنهائها. وفي حديث أمام البرلمان الأوكراني، شدّد زيلينسكي على أهمية الحفاظ على الصمود، مؤكدًا رفض بلاده أي تنازلات تمس سيادتها الوطنية.
تحولات بين الردع والدبلوماسية
على الجانب الروسي، اعتبر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن هذه التعديلات "ضرورية" في ظل التهديدات المتزايدة، وأضاف أن موسكو كانت دائمًا تسعى إلى الحد من التهديد النووي، معتبرًا أن العقيدة الجديدة تُعد ردعًا وقائيًا وليس أداة للهجوم.
أما في الغرب، فقد انقسمت الآراء بين من يرى أن هذه التعديلات تعكس تصعيدًا خطيرًا، ومن يعتبرها خطوة طبيعية في ظل تصاعد التوترات. ورغم التحذيرات الدولية، تواصل روسيا تأكيد أن استخدام الأسلحة النووية سيبقى خيارًا أخيرًا، وأن هدفها الرئيسي هو ضمان أمنها وسيادتها.
مستقبل مضطرب على الحافة النووية
مع دخول العقيدة النووية الروسية حيز التنفيذ، يبدو أن العالم على أعتاب مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الاستراتيجي. وبينما يتحدث الجميع عن منع وقوع حرب نووية، تزداد التحركات التي تقرب العالم من هذا السيناريو الكارثي.
في ظل هذا التصعيد، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن للدبلوماسية أن تستعيد دورها في تهدئة الأوضاع، أم أن العالم ماضٍ في طريق التصعيد؟ الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد الإجابة.