أعلنت إسرائيل نجاحها في اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في عملية عسكرية مُعقدة، منهية سنوات من المحاولات الفاشلة لاستهدافه.
وفي هذا الصدد تسلط صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الضوء على المعلومات المتاحة حول كيفية تمكن إسرائيل من اختراق دفاعات حزب الله وتنفيذ هذه العملية.
ثلاث محاولات فاشلة
وحاولت إسرائيل اغتيال نصر الله، ثلاث مرات خلال حرب 2006 مع حزب الله، وفي إحدى المحاولات، غادر نصر الله الموقع المستهدف قبل وصول الضربة الجوية، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وفي المحاولتين الأخريين، فشلت القنابل في اختراق التحصينات الخرسانية لمخبئه تحت الأرض، حسب مصادر للصحيفة البريطانية.
وهذه الإخفاقات عكست قدرة حزب الله على حماية قياداته وتحصين مواقعه، ما دفع إسرائيل إلى إعادة تقييم استراتيجيتها بشكل جذري.
التحول الاستراتيجي
بعد فشل حرب 2006، أعادت إسرائيل توجيه جهودها الاستخباراتية بشكل جذري، وكشفت الصحيفة البريطانية أن هذا التحول شمل توسيع نطاق المراقبة ليتجاوز الجناح العسكري لحزب الله والأنشطة السياسية له وعلاقاته مع إيران وسوريا.
واستثمرت إسرائيل بكثافة في تطوير قدراتها التكنولوجية، بما في ذلك الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار وأنظمة التجسس الإلكتروني.
كما طورت إسرائيل وحدة خاصة (الوحدة 9900) مخصصة لتحليل كميات هائلة من البيانات البصرية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
استغلال نقاط الضعف
شكلت مشاركة حزب الله في الحرب السورية منذ عام 2012، نقطة تحول في جهود إسرائيل لاختراقه، إذ تشير الفايننشال تايمز إلى أن انخراط الحزب في سوريا أدى إلى توسيع صفوفه بشكل كبير، ما أضعف آليات الرقابة الداخلية.
واضطر حزب الله للتعاون مع أجهزة المخابرات السورية والروسية، ما كشف عن أساليب عمله وجعله أكثر عُرضة للاختراق، إضافة إلى ذلك تطلبت العمليات بسوريا زيادة في الاتصالات، ما وفر فرصًا أكبر للتنصت والاعتراض من قبل الاستخبارات الإسرائيلية.
وتقول راندا سليم، مديرة برنامج في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: "كانت سوريا بداية توسع حزب الله، وأضعف ذلك آليات الرقابة الداخلية لديهم وفتح الباب أمام الاختراق على مستوى كبير"، مشيرة إلى أن هذا التوسع والانكشاف الاستراتيجي مكّن إسرائيل من جمع معلومات حيوية عن هيكلية الحزب وأساليب عمله، ما مهد الطريق لعمليات استهداف أكثر دقة وفعالية.
التفوق التكنولوجي
كشف الصحيفة البريطانية عن مجموعة من الأدوات التكنولوجية التي استخدمتها إسرائيل لاختراق حزب الله، إذ تمكنت من تطوير أنظمة تعقب متقدمة سمحت لها بتتبع تحركات قادة حزب الله باستخدام بيانات من مصادر متنوعة كهواتف الزوجات وعدادات السيارات الذكية.
واستخدمت الوحدة 9900 خوارزميات متطورة لتحليل صور الأقمار الصناعية وكشف أي تغييرات طفيفة قد تشير إلى وجود منشآت سرية أو تحركات غير اعتيادية.
الصبر الاستراتيجي
وذكرت الصحيفة البريطانية أن إسرائيل اتبعت استراتيجية الصبر في التعامل مع حزب الله، فعلى مدى أشهر، اكتفت بتبادل إطلاق النار عبر الحدود، مستهدفة عناصر من المستوى المنخفض في الجماعة.
هذا النهج الحذر سمح لإسرائيل بجمع المزيد من المعلومات وتحسين دقة استهدافها، في حين أوهم حزب الله بأن الصراع كان محدودًا ويمكن إدارته، حسب ما رأته الصحيفة.
ويقول مسؤول إسرائيلي سابق للفايننشال تايمز: "كانت لدى إسرائيل الكثير من القدرات والمعلومات الاستخباراتية المخزنة بانتظار استخدامها، كان بإمكاننا استخدام هذه القدرات منذ فترة طويلة خلال هذه الحرب، لكننا لم نفعل ذلك".
الضربة الحاسمة
في النهاية، جاءت اللحظة الحاسمة عندما تمكنت المخابرات الإسرائيلية من تحديد موقع نصر الله بدقة، إذ إنه وفقًا لفايننشال تايمز، ألقت الطائرات الإسرائيلية ما يصل 80 قنبلة على مخبأ محصن تحت مجمع سكني في جنوب بيروت، ما أدى إلى اغتيال نصر الله وعدد من كبار قادة حزب الله.
رغم نجاح العملية، يحذر الخبراء من أن الصراع لم ينتهِ بعد، إذ تقول ميري إيسين، ضابطة استخبارات إسرائيلية سابقة: "حزب الله لم يختفِ في الأيام الـ10 الماضية لقد ألحقنا بهم أضرارًا وأضعفناهم وهم في مرحلة الفوضى والحداد، لكنهم لا يزالون يمتلكون الكثير من القدرات التي تشكل تهديدًا كبيرًا".