خلّفت قوات الاحتلال الإسرائيلية دمارًا واسعًا في جنين ومخيمها، بعد عملية عسكرية تعتبر الأكبر والأكثر دموية في المنطقة، منذ انتهاء الانتفاضة الثانية، عام 2005.
ووسط هذا الدمار الواسع، يكافح سكان جنين من أجل العودة إلى حياتهم الطبيعية. ورصدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، اختناق حركة المرور في وسط مدينة جنين لأول مرة منذ ما يقرب من أسبوعين بعد إصلاح الطرق.
لكن في بعض الأماكن، لا تزال مياه الصرف الصحي تتدفق عبر الشوارع التي حفرتها جرافات الإحتلال العسكرية. وبدت على العديد من المباني المحترقة علامات القصف الإسرائيلي، إذ أصبحت الطوابق العليا الآن مليئة بثقوب الرصاص والنوافذ المحطمة، وتعرضت البنية التحتية للمياه والكهرباء لأضرار بالغة، وليس من الواضح متى سيتم استعادة هذه الخدمات، وفق الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن أبو محمود "61 عامًا"، الذي فتح متجره لملابس الأطفال لأول مرة منذ 10 أيام، بعد أن اتضح أن قوات الاحتلال غادرت المدينة، إن الدمار الذي لحق بأجزاء كبيرة من المدينة كان غير مسبوق.
وقال: "حتى في الانتفاضة الثانية لم يكن الأمر كذلك، لم يدمروا الطرق والشوارع ويذهبوا من منزل إلى منزل"، في إشارة إلى الانتفاضة الفلسطينية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، التي كانت جنين في مركز العدوان الإسرائيلي آنذاك.
وأضاف أبو محمود: "شباب البلدة يقاومون الاحتلال، نعم، لأنهم لا يجدون عملًا ولا يرون مستقبلًا، لكننا لم نبدأ بهذا، الإسرائيليون هم من فرضوا هذا علينا".
وفي الساعات الأولى من صباح 28 أغسطس الماضي، اجتاحت قوات الاحتلال، مدعومة بالآليات العسكرية، جنين وطولكرم ونابلس وطوباس وقلقيلية في شمال الضفة الغربية المحتلة.
وركزت الغارات الإسرائيلية بشكل رئيسي على مخيمات اللاجئين في المناطق الحضرية، بما في ذلك مخيم جنين، الذي تم بناؤه لإيواء الفلسطينيين الذين طردتهم العصابات الصهيونية من منازلهم، عام 1948. واليوم تشبه المخيمات الأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان، التي تفتقر إلى الخدمات وينتشر الفقر.
وتدهور الوضع في الضفة الغربية المحتلة بشكل كبير منذ اندلاع الحرب على غزة، بسبب تصرفات المستوطنين اليمينيين المتطرفين وأنصارهم في الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وخلال العملية العسكرية التي استمرت ثمانية أيام، قال الجيش الإسرائيلي: "إنه قتل 14 فلسطينيًا واعتقل 30 آخرين".
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، استشهد 36 فلسطينيًا خلال المداهمات في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك 21 في جنين، وقالت الوزارة إن ثمانية أطفال واثنين من كبار السن من بين الشهداء.
وقال نضال أبو صالح، رئيس بلدية جنين، إن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 13 مليون دولار.
ووصف سكان مدينة جنين ومخيمها الظروف المروعة خلال مداهمة قوات الاحتلال، التي حوصر خلالها نحو 20 ألف فلسطيني في منازلهم دون ماء أو كهرباء وقليل من الطعام، وأوقف جنود الاحتلال سيارات الإسعاف التي كانت تُجلي الجرحى.
ونقلت "الجارديان" عن المعلمة خلود عامر "39 عامًا"، التي تعيش وزوجها الموظف الحكومي مع أطفالهما الـ4 في مبنى حديث من 5 طوابق على بعد شارع واحد من المخيم، إنه منذ عام 2022، يستخدم جنود الاحتلال سقف المبنى بانتظام كموقع للقنص، وعام 2023، أجبرت قوات الاحتلال جميع الأشخاص الذين يعيشون في المبنى على البقاء في غرفة واحدة لمدة 12 ساعة دون طعام أو ماء، ومنذ ذلك الحين، تفر معظم العائلات إلى منازل الأقارب عندما تدرك أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قادم، وإذا بقوا، فإن جنود الاحتلال يجبرونهم على الخروج على أي حال.