يدخل لبنان العام الجديد، وهو مثقل بالأزمات المتلاحقة التي عصفت به في 2022، فأزمة الوقود التي عانى منها اللبنانيون في منتصف العام الحالي، عادت للسطح من جديد، إذ أغلقت أغلب محطات الوقود أبوابها في بلد الأرز، بسبب أزمة تسعير الوقود بالليرة اللبنانية.
اصطفت طوابير طويلة أمام محطات محدودة فتحت أبوابها وتبيع وفقًا للسعر المعلن أمس الأربعاء، وليس وفقًا لجدول التسعير الصادر من وزارة الطاقة، الذي احتسبت سعر الدولار على تسعير منصة صيرفة الرسمية والبالغ 38 ألف ليرة، فيما تشتري الشركات المستوردة للنفط وأصحاب محطات الوقود، وفقًا لسعر صرف السوق الموازية والبالغ 44 ألف ليرة للدولار الواحد.
طوابير طويلة أمام محطات الوقود
بدأت الأزمة بعد أصدرت وزارة الطاقة جدول تسعير ملزم لأصحاب المحطات تضمن انخفاضًا غير مسبوق. واستندت الوزارة في هذا التسعير إلى قرار حاكم مصرف لبنان بتوفير جميع المبالغ من النقد الأجنبي وتحديدًا الدولار لجميع الأفراد والشركات على سعر منصة صيرفة الرسمية الذي شهد قفزة كبيرة مسجلًا 38 ألف ليرة لبنانية بدلًا من 31200 ليرة للدولار الواحد، في محاولة لاحتواء الارتفاع الكبير والمستمر في سعر الصرف بالسوق الموازية التي يلجأ إليها الأفراد والشركات معًا لتدبير الدولار لشراء السلع خصوصًا الوقود، إذ وصل سعر الدولار بتلك السوق إلى قرابة 47 ألف ليرة.
أصحاب المحطات رفضوا جدول التسعير لصعوبة تدبير جميع المبالغ التي يحتاجونها لاستيراد الوقود من منصة صيرفة، ما يعني ضرورة استمرار التسعير وفقًا لسعر السوق الموازية الذي انخفض ليصل إلى 44 ألف ليرة للدولار الواحد وليس وفقًا لسعر منصة صيرفة.
نتيجة لذلك، قرر عدد كبير من أصحاب المحطات الإغلاق ورفع الخراطيم والتوقف عن بيع قوارير الغاز، لحين صدور جدول تسعير يتفادى الخسائر الكبيرة لهم، فيما قرر عدد قليل من أصحاب المحطات فتح الأبواب أمام السيارات، ولكن بجدول الأسعار المعلن أمس الأربعاء، والبالغ 38300 ليرة لكل لتر.
أدى ذلك إلى وقوف سيارات في طوابير طويلة أمام المحطات في ظل الاحتفالات المستمرة بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وفي ظل وفود أعداد كبيرة من المغتربين لقضاء موسم الأعياد في بلدهم، بالإضافة إلى حركة السياحة.
أزمة وقود ضربت لبنان في شهر يونيو العام الحالي، وعانى المواطنون والمصانع والشركات نقص الوقود، بسبب قرار السلطات اللبنانية آنذاك بخفض دعم الوقود وانهيار قيمة الليرة اللبنانية.
تجدر الإشارة إلى أن الدولار في السوق الموازية بلبنان، تصاعد بشكل صاروخي خلال الفترة الأخيرة، ملتهمًا بنيرانه القيمة الشرائية الليرة بسعر صرف تخطى الـ45 ألفًا للدولار الواحد.
نقص الأدوية وحليب الأطفال في الصيدليات
تزامنت أزمة الوقود مع عودة آثار رفع الدعم عن الدواء وحليب الأطفال بالظهور في لبنان دفعة واحدة، لتضع صحة المواطن العادي على المحك، فخلال الأسبوع الماضي، بدأ الحديث عن توقف الشركات عمليات تسليم الدواء للصيدليات، وإمكانية انقطاعه عن المواطنين.
يكمن السبب الرئيسي في هذه المشكلة، وفق خبراء الاقتصاد، في التفاوت الكبير في سعر صرف الدولار في السوق الحرة من جهة، ومن جهة أخرى ندرة المبالغ التي يؤمنها مصرف لبنان لدعم ما تبقى من الأدوية وحليب الأطفال، إذ تحظى فئات محدودة بالدعم مثل مرضى السرطان.
في المقابل، تزداد شكوى المواطن اللبناني من الارتفاع المستمر والمفاجئ لبعض الأدوية الأساسية، ما يدفعهم إلى الامتناع عن شراء الأدوية، وأحيانًا تقنين استخدامها وتقليل الجرعة اليومية بخطوة فردية على خلاف الوصفة الطبية.
أثار قرار الشركات بوقف تسليم الدواء للصيدليات، بلبلة في سوق الدواء، لا سيما بين أصحاب الصيدليات الذين لم يتسلموا طلباتهم الجديدة في مقابل تهافت المواطنين على شراء الأدوية خوفًا من انقطاعها، وهو ما دفع وزارة الصحة اللبنانية الأسبوع الماضي، إلى إصدار مؤشر جديد حددت بموجبه سعر صرف دولار الأدوية بـ45 ألف ليرة، بما يقلل الفوارق بين الدولارين.
المشهد الاقتصادي يزداد قتامة.. والانسداد السياسي مستمر
رغم ذلك، يحذر خبراء الاقتصاد أن المشهد الاقتصادي في لبنان يزداد قتامة، إذ تراجعت احتياطات مصرف لبنان من العملات الصعبة إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار.
هذا إلى جانب الانسداد السياسي في لبنان، واستمرار الفراغ الرئاسي مع فشل الكتل الرئيسية في البرلمان في التوافق على رئيس جديد للجمهورية، خلفًا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر العام الحالي.