في قلب الصحارى الإفريقية القاحلة وسهولها، حيث تتمازج قسوة الطبيعة مع جمالها، تظل المياه هي الجائزة الكبرى لمن تطأ قدماه تلك الأراضي، وعلى مشارف الصحراء والسهول تعيش الأفيال التي أظهرت قدرة فريدة تُبرز تفوقها على غيرها من الكائنات، هذه العمالقة اللطيفة، في لحظات اليأس والعطش، تلجأ إلى أقدامها لتستمع لصوت الحياة القادم من بعيد.
أقدام العمالقة اللطيفة باتت أسطورة حية تشهد على براعة الخلق وعظمة الطبيعة، فكيف يمكن لأقدام الفيل أن تصبح أداة لاستشعار العواصف الممطرة على بُعد مئات الكيلومترات؟.. هذا هو السؤال الذي نحاول إجابته اليوم، وفق تقرير نشرته شبكة "سي بي سي" التابعة لهيئة الإذاعة الكندية.
بحث الأفيال عن الماء في أوقات الجفاف
في مشهد يجسد قسوة الطبيعة، تتحرك أكوام الغبار في أنحاء المناظر الطبيعية الجافة، لتتسبب في تطاير الحطام الرملي من الأرض القاحلة، وتُحوِّل الحرارة الشديدة الهواء إلى كتل مشوهة، بينما تتشاجر النسور على جثث الحيوانات النافقة بسبب هذا الجفاف الشديد، وفي هذه الظروف القاسية، تسير الأفيال عبر الأرض بحثًا عن المياه التي تشتد حاجتها إليها.
يمثل موسم الجفاف القاسي هذا تحديًا كبيرًا لقطيع الأفيال بأكمله، وتكون الدعافل الصغيرة في خطر خاص، إذ إن أمهاتها قد تتوقف عن إنتاج الحليب إذا لم يتم العثور على الماء، وتستمر هذه الدعافل في التجوال، وتُحرك آذانها في محاولة لتخفيف الحرارة، على أمل سماع صوت يُنذر بقرب الماء.
استشعار العواصف عبر الأرض
وعلى بُعد مائة كيلومتر، تتجمع السحب الداكنة في السماء، وتبدأ البروق في الوميض، بينما تتساقط قطرات المطر الغزيرة على الأرض المتشققة، لتملأ البرك الفارغة بالمياه.
هذا هو الصوت الذي كانت الأفيال تترقب سماعه، فهي لا تسمع العاصفة عبر الهواء مثل باقي المخلوقات، بل عبر الأرض من خلال اهتزازات منخفضة التردد.
وعلى الرغم من دورها الأساسي في دعم وزن أكبر حيوان بري على وجه الأرض، تمتاز أقدام الفيل بتصميم فريد يمزج بين القوة والحساسية، وتمتلك هذه الأقدام مزيجًا معقدًا من الأنسجة، حيث تحتوي على نهايات عصبية في الجلد، ووسائد دهنية تستجيب للضغط والحركة، ولا سيما الاهتزازات، وفق "سي بي سي".
عندما تشعر الفيلة بالاهتزازات، فإنها تقوم برفع إحدى أقدامها لتسمح للقدم الأخرى بالانغماس بعمق أكبر في الأرض، هذه الحركة البسيطة تُمكن الفيل من تحديد الاتجاه الدقيق للاهتزازات القادمة من العاصفة، وبالتالي تحديد موقع المياه بدقة.
التحرك نحو العاصفة والماء
بعد تحديد موقع المياه من خلال استشعار العاصفة، يبدأ القطيع في التحرك نحو العاصفة، وخلال الرحلة، يتعثر أحد العجول الصغيرة، لكن الأم سرعان ما تستخدم خرطومها لدفعه إلى الأمام، مشجعةً إياه على مواصلة السير مع باقي القطيع، وبفضل هذه القدرة الاستثنائية، تمكنت الأفيال من البقاء على قيد الحياة حتى بعد أصعب فترات الجفاف.
إن هذه القدرة الفريدة التي تمتلكها الأفيال لاستشعار العواصف من مسافات بعيدة عبر أقدامها، تجسد عظمة الطبيعة وقوة التكيف التي يتمتع بها هذا المخلوق الضخم، في عالم تحكمه قسوة الظروف البيئية، تبقى الأفيال رمزًا للصمود والقدرة على البقاء، مهما كانت التحديات.