تمنى الروائي المصري الراحل بهاء طاهر، على لسان إحدى شخصياته في رواية "شرق النخيل"، أن يموت الناس معًا كالزرع، حتى لا يحزن أحدٌ على أحد، غير أنه خالف وعده المُتخيل في الواقع، ورحل عنّا "الأديب الكبير" في عمر الـ87، مُخلفًا في القلوب حسرة وحزن كبيرين.
ولد بهاء طاهر في مدينة الجيزة عام 1935، لأب أصله من مدينة الأقصر، وكان الثامن في الترتيب بين إخوته، أحب قراءة القصص منذ صغره، وتخرج من كلية الآداب قسم التاريخ عام 1956، وبعدها بعام واحد عمل مخرجًا للدراما الإذاعية، ومذيعًا في إذاعة البرنامج الثاني -الذي كان من مؤسسيه- حتى عام 1975.
ربما كان ليصبح بهاء موظفًا عاديًا، غير أن الله وهبه عطيّة الكتابة ونباهة المثقف حاد النظر إلى شتى أمور الحياة، وبدت تلك النباهة منذ عمله الأول، ففي عام 1972 صدرت مجموعته القصصية الأولى "الخطوبة"، التي يغلب عليها طابع القهر والظلم، وبسبب إيمانه بتمرد المثقف اصطدم بهاء مع نظام الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ففي إحدى حواراته قال: "في عهد السادات كانت القاعدة المتبعة أن بوسع المرء نشر أي شيء، ولكن يجب تحمل العواقب عليه".
وبالفعل صدر قرار بمنعه عن الكتابة في منتصف السبعينات، ما اضطره إلى العمل في إفريقيا وآسيا كمترجم حر، وبعدها استقر في جنيف من 1981 حتى 1995، وأثرت تلك الفترة جليًا في كتاباته، فشخوص أغلب رواياته؛ "قالت ضحى"، "الحب في المنفى"، "واحة الغروب"، كانت لديها الرغبة في الارتحال الدائم، كما ارتحل هو لسنوات عديدة. تأثر أيضًا بالعلاقة بين الشرق والغرب التي اختبرها هو بنفسه كعربي يعيش في الغربة، وظهرت في العديد من قصصه، كان من أبرزها "بالأمس حلمت بك"، كانت فترته الذهبية في الإبداع عام 1985، حينما صدرت له روايتان هما "قالت ضحى" و"شرق النخيل"، وبدا فيهما شخصية المثقف حاد الرؤية، ومدى الهموم التي يحملها على كاهله، حيث قدمت الأولى إحساسًا قويًا بالقضايا المجتمعية والسياسية، وناقشت رؤية الناس لثورة يوليو، أما الثانية فعبرت عن هموم المجتمع وإحساسهم بعزة النفس والكرامة، ودفاعهم عن الأرض.
بعد ذلك توالت إسهامات بهاء طاهر الأدبية في الرواية والترجمة والنقد المسرحي والمجموعات القصصية، غير أن رواياته كانت الأشهر من بينها؛ "قالت ضحى"، "شرق النخيل"، "نقطة النور"، "واحة الغروب"، وحاز على جوائز أدبية عديدة منها جائزة جوزيبي أكيربي الإيطالية، وجائزة البوكر العربية عن رواية "واحة الغروب"، وجائزة مبارك للآداب.