في انتهاك جديد للقانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، كشفت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير في فلسطين، عن أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت أسيرًا من قطاع غزة درعًا بشريًا لمدة 40 يومًا.
وقال عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، لموقع "القاهرة الإخبارية" أن الواقعة تعود الى لثلاثاء الماضي، عندما كشفت صحيفة "هاآرتس" العبرية، أن الجيش الإسرائيلي احتجز مواطنين فلسطينيين واستخدمهم دروعًا بشرية في عملياته العسكرية داخل قطاع غزة.
واستند التحقيق إلى شهادات ضباط وجنود خدموا في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي في إطار حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
واستعرضت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير، الخميس، شهادة شاب فلسطيني يدعى (م. د) (21 عامًا) من غزة، استخدمته قوات الاحتلال الإسرائيلي، درعًا بشرية لمدة 40 يومًا.
تعذيب وتنكيل
وقال البيان الصادر عن الهيئة والنادي، وتلقاه موقع "القاهرة الإخبارية" إنه "استنادًا لشهادة الشاب، فإن قوات الاحتلال استخدمته درعًا بشريًا بشكل يومي، عبر عدة أساليب منها: وضعه على مقدمات السّيارات العسكرية التابعة لجيش الاحتلال، وهو مقيد الأيدي والأرجل، إضافة إلى إجباره على ارتداء الزي العسكري لجيش الاحتلال وتزويده بكاميرا، وفي حال رفض فإنه كان يتعرض للضرب، وكان يرافقه طيارة مسيرة لتوجيهه خلال حركته.
وطوال تلك المدة، مارس جنود الاحتلال بحقّه سياسة التّجويع، كما حُرِم من استخدام دورة المياه أو الاستحمام، واستمر ذلك على طوال مدة اعتقاله، إذ كان يواجه الموت كل لحظة بحسب تعبيره، إلى أنّ أُصيب في تاريخ السادس من أغسطس، بطلق ناري في صدره، وبقي لنحو نصف ساعة دون علاج".
وأضاف البيان: "وبحسب إفادة الشاب، وجد نفسه في اليوم التالي في مستشفى (سوروكا) الإسرائيليّ حيث مكث فيها لمدة ثلاثة أيام، إلى أنّ أُطلق سراحه في تاريخ التاسع من أغسطس، عبر معبر (كرم أبو سالم)، ونُقل عبر سيارة إسعاف إلى مستشفى ناصر الطبيّ، وتبين أن الإصابة سببت له كسرًا في صدره، وإصابة أخرى في الرئة، وما يزال مخرج الإصابة مفتوحًا وهو بحاجة إلى علاج حثيث.
وتعرض الشاب لعمليات تنكيل وتعمد قهره وإذلاله والاعتداء عليه وتجويعه وإرهابه وتهديده، وذلك بعد قيام جنود الاحتلال باعتقاله هو ومجموعة من المواطنين في شهر يونيو 2024، من معبر كرم أبو سالم، خلال عمله في نقل البضائع.
وذكرت الهيئة والنادي، أنّ الشاب (م. د) تعرض هو وعائلته –مثل مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة- إلى النزوح إلى أكثر من منطقة، جرّاء حرب الإبادة المستمرة، وخلال الحرب استشهد والده، كما أن هناك أفرادًا من عائلته في عداد المفقودين.
وأكدت هيئة الأسرى ونادي الأسير، أنّ الشاب تعرض لجريمة حرب مركبة ومرعبة، بدءًا من عملية اعتقاله واستخدامه درعًا بشرية طوال هذه المدة والتنكيل به وتعذيبه وإذلاله، وإصابته لاحقًا، وإطلاق سراحه من المستشفى، دون استكمال علاجه، وعلى الرغم من أن القانون الدولي والاتفاقيات الدولية حظرا استخدام المدنيين دروعًا بشريًا باعتبارها جريمة حرب، إلا أنّ الاحتلال يواصل انتهاجها، لتشكل هذه الشهادة واحدة من بين عشرات الشهادات لمعتقلين من غزة، مورست بحقّهم جرائم تعذيب ممنهجة في السّجون والمعسكرات الإسرائيلية.
وقال عبد الله زغاري، المتحدث باسم نادي الأسير الفلسطيني لموقع " القاهرة الإخبارية" أنه هذا الشاب لم يكن وحده في تلك الواقعة، إذ استخدم جيش الاحتلال أسيرًا آخر معه، مشيرا إلى أن معسكر "سديه تيمان" شكّل إحدى أبرز المحطات لجرائم التّعذيب والتّجويع والجرائم الطبيّة والاعتداءات الجنسيّة بحقّهم، والتي أدت إلى استشهاد العشرات من معتقلي غزة، غالبيتهم يواصل الاحتلال إخفاء هوياتهم، بخلاف الإعدامات الميدانية التي نفذها.
ويحظر القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف لعام 1949، على الجيوش استخدام المدنيين دروعًا بشرية، كما تعتبره المحكمة الجنائية الدولية جريمة حرب.
انتهاكات ضد الأسرى
وأكد "فراونة"، لموقع القاهرة الإخبارية، أنه من غير المسموح لمنظمة الصليب الأحمر الدولية بزيارة معتقلي غزة أو الالتقاء بهم ومعرفة أعدادهم وأسمائهم، أو حتى الاستماع لشهاداتهم،
وأضاف "فراونة" أن الزيارات العائلية أيضًا متوقفة بقرار من وزير الأمن القومي الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن جفير، فيما يتمكن محامو هيئة الأسرى والمحررين (الرسمية) والمؤسسات المعنية الأخرى - أحيانًا وبصعوبة- من إجراء زيارات محدودة لمعتقلي غزة، ونقل شهاداتهم.
وتعتمد تلك المؤسسات على شهادات المفرج عنهم، وبالتالي لا توجد أرقام محددة، ولا معلومات كافية بخصوص معتقلي غزة وما يتعرضون له، ولا يعرف عدد من استخدمهم الجيش الاسرائيلي دروعا بشرية.
وجددت الهيئة والنادي مطالبتهما للمؤسسات الحقوقية الدّولية، باستعادة دورها اللازم والمطلوب أمام حرب الإبادة المستمرة والجرائم الممنهجة التي ينفذها الاحتلال بحقّ الأسرى والمعتقلين، وتحمل مسؤولياتها اللازمة، وتجاوز حالة العجز المرعبة التي تلف دورها، وتجاوز هذا الدور القائم فقط على رصد الجرائم والانتهاكات وإصدار المواقف والبيانات، إلى مستوى يؤدي إلى محاسبة الاحتلال والقوى الداعمة له.
لا يزال ينفذ الاحتلال منذ بدء الحرب حملات اعتقال ممنهجة ومتصاعدة في كل أنحاء فلسطين، وبلغ عدد حالات الاعتقال في الضّفة الغربية المحتلة أكثر من 10 آلاف، إضافة إلى الآلاف من غزة، الذين تعرضوا لجريمة الإخفاء القسري.
ورافق عمليات الاعتقال جرائم وانتهاكات غير مسبوقة بمستواها، واستمر ذلك بعد نقلهم إلى مراكز التّحقيق والتّوقيف والسّجون والمعسكرات، التي تحوّلت إلى معسكرات لجرائم الحرب.