الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بين الانهيار وحلم العودة.. 31 عامًا على سقوط الاتحاد السوفيتي

  • مشاركة :
post-title
عرض عسكري سوفيتي في الميدان الأحمر - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

مع بزوغ فجر 25 ديسمبر 1991، أسدل الستار على الاتحاد السوفيتي، بعد أن أعلن ميخائيل جورباتشوف، آخر زعيم سوفيتي، استقالته رسميًا من منصب الرئاسة، لتمر بضع ساعات، ليعلن في اليوم التالي مجلس السوفيت الأعلى رسميًا استقلال 15 دولة، وتفكك الاتحاد.

انتُخب ميخائيل جورباتشوف أمينًا عامًا للحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي عام 1985 بعد وفاة سلفه، ليبدأ عهدًا من الإصلاحات ندد خلاله بالفساد، وتحدث عن سياسات مثل التعايش السلمي القائم على المساواة والتحرر الوطني وتقرير المصير وإنهاء سباق التسلح.

لم يؤدِ أي سبب معين إلى انهيار الإمبراطورية السوفيتية، بل أدت مشكلات نظامية لا تعد ولا تحصى وكوارث يمكن تجنبها، إلى نهاية درامية للقطب الثاني الذي ظل يناطح الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، ومع ذلك، فإن الحرب الطويلة والمكلفة في أفغانستان كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.

حرب أفغانستان

في عام 1979، انضمت القوات السوفيتية إلى الحزب الشيوعي الأفغاني في حربه للسيطرة على الحدود الأفغانية وتأمين احتياطيات النفط التي تشتد الحاجة إليها، وعلى مدار عشرة أعوام حتى عام 1989، أنفق الاتحاد السوفيتي الأموال، ومد ميادين المعارك بالقوات في الصراع الأفغاني، ما كبّده خسائر قرابة 15 ألف جندي سوفيتي، وإصابة 50 ألفًا آخرين، بتكلفة تقديرية على الاقتصاد السوفيتي بلغت 50 مليار دولار، في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد راكدًا، بحسب ما أشارت تقارير بعد انهيار الاتحاد.

التضاريس وحرب العصابات

لم تتحقق الفوائد الاقتصادية والسياسية القليلة، التي كان الاتحاد السوفيتي يأمل في جنيها من الصراع، بسبب التكلفة الهائلة للحرب، رغم تلقي الجيش الأحمر تدريبات على خوض معارك برية واسعة النطاق، شملت كتائب دبابات ودعمًا جويًا وأسلحة نووية تكتيكية، ولكنه بعد كل ذلك، أُغفلت أزمة التعامل مع التضاريس الأفغانية وتكتيكات حرب العصابات، بحسب ما أشارت "بي بي سي نيوز".

حافظ الاتحاد السوفيتي على معدل نمو مثير للإعجاب وإيجابي في الغالب بداية من عام 1928 حتى عام 1989، باستثناء أوقات النزاع، ولكن تم تحقيق هذا الاتجاه على حساب السلع الاستهلاكية ومستويات المعيشة، أما في السبعينيات، فبدأ الانحدار مع ظهور علامات التباطؤ الاقتصادي، بحسب ما أفادت الـ"بي بي سي".

ميخائيل جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي السابق
المسمار الأخير في نعش السوفييت

في مذكراته، التي نُشرت في عام 1996، قال ميخائيل جورباتشوف إن السبب الحقيقي وراء انهيار الاتحاد السوفيتي كان كارثة تشيرنوبيل النووية، التي حدث بعد تعرض المفاعل رقم 4 في 26 أبريل 1986، لفشل ذريع في أثناء اختبار الأمان الذي أدى إلى انفجار كبير نتج عنه انتشار الغبار والحطام المشع على مساحة واسعة، وفي الوقت نفسه، لم يكن الآلاف من سكان مدينة "بريبيات" المجاورة للمفاعل والاتحاد السوفيتي على دراية بحدوث شيء ما، لذلك استمر المفاعل في الاحتراق، وإطلاق المواد المشعة في الهواء، بينما كان مواطنو كييف، وهي مدينة يسكنها ملايين الأشخاص، في مسيرة للاحتفال بالعيد السوفيتي في الأول من مايو1986 .

800 ألف جندي لإزالة الأنقاض

أخيرًا، وتحت ضغط دولي هائل، أُجبر ميخائيل جورباتشوف والاتحاد السوفيتي على الاعتراف بحدوث الكارثة النووية، ما أدى إلى نشر 800 ألف جندي سوفيتي للمساعدة في إزالة الأنقاض، المشاركة في إخماد الحريق وإغلاق المفاعل بتكلفة تقارب 235 مليار دولار في ذلك الوقت، بحسب ما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز".

غير أن السبب الفعلي الذي جعل جورباتشوف والمؤرخين السوفييت يعدون كارثة تشيرنوبيل المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفيتي، كانت الخسائر في الأرواح وفقدان الثقة في النظام الشيوعي، بحسب ما أشارت "جابان تايمز".

"البيريسترويكا"

بعد الحادث بشهر واحد في فبراير من عام 1986، ناقش جورباتشوف مسألة الحاجة إلى "البيريسترويكا"، أو إعادة هيكلة الاقتصاد، في سياسة كانت تتكئ على محاور عدة، بينها: تحديث بناء الآلات، وتحقيق إعادة البناء المخطط لاقتصاد الدولة وإعادة توجيهه اجتماعيًا، وربط التخطيط على نطاق واسع بتطوير العلاقات المصرفية، وتهيئة الظروف الاقتصادية اللازمة لتحقيق الاكتفاء المالي والتمويل الذاتي للمؤسسات دون دعم الدولة، وإنشاء المجمعات العلمية والتقنية الكبرى، بحسب ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز".

رغم ذلك، كانت لإعادة هيكلة الاقتصاد عواقب وخيمة، إذ نتج ما لم يكن الاقتصاد بحاجة إليه حقًا، ما أدى إلى نقص منتجات في مناطق معينة، ما تسبب في حالة من الاحتقان والغضب الشعبي.

إضراب "الصابون"

أدت "البيريسترويكا" إلى إضراب عمال المناجم في دونباس في عام 1989 لأنهم بعد يوم طويل من الأشغال الشاقة لم يكن لديهم صابون للاغتسال بسبب قلة الصابون في الاتحاد، وكان قانون 1988 بشأن التعاونيات، أحد أسباب انهيار الاتحاد، ونتج عن هذا المنهج الاقتصادي، مزيد من الانتقادات لسياسات الحزب الشيوعي في وسائل الإعلام، وانخفض التأثير العام للحزب في وسائل الإعلام، ما جعل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، قادرة على تقديم نفسها، بشكل أكثر ودية مما كانت عليه في السابق للشارع السوفيتي.

موجات الاستقلال

بعد إصلاحات "جورباتشوف" وتخفيف حدة المعارضة وحرية التعبير، اندلعت موجة من الحركات المؤيدة للاستقلال عن الاتحاد السوفيتي في بلدان الكتلة الشرقية، ففي أوائل الثمانينيات، شهدت بولندا، التي كانت حكومتها الشيوعية حليفًا قويًا للاتحاد السوفيتي، موجة من الاضطرابات، اندلع على إثرها عدد من الاحتجاجات بسبب نقص السلع الاستهلاكية والغذاء، وغيرها من ضروريات الحياة التي غابت عن الاتحاد، ما نتج عنه، بحلول عام 1989 انتخاب منظمة تضامن في الحكومة البولندية التي تعهدت بتحرير بولندا من الحكم السوفيتي.

شهدت بلدان الكتلة الشرقية الأخرى مثل المجر ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا حركاتها الثورية المناهضة للسوفييت، إذ فُتحت الحدود بين ألمانيا الشرقية والغربية في 8 نوفمبر 1989، وسقوط جدار برلين، الذي كان الخط الفاصل بين الشيوعية والرأسمالية، ويفصل ألمانيا على كتلتين، شرقية وغربية، ما أدى إلى إنهاء الحرب الباردة والتأثير السوفيتي في الشرق، بحسب ما أشارت "دويتشه فيله".

مع تفكك الكتلة الشرقية وسقوط جدار برلين، الذي كان يدعى "الستار الحديدي"، قويت شوكة دول البلطيق، ما شجّعها على إعلان عزمها الانفصال عن الاتحاد السوفيتي، وبعد فترة وجيزة، توالت الدول في الانسلاخ من عباءة الاتحاد السوفيتي، فأعلنت كل من أرمينيا ومولدوفا وأوكرانيا وجورجيا، عزمها الانضمام إلى حركة الاستقلال، بحسب مقال نشرت في نيويورك تايمز بعنوان "الشيوعيون في دول البلطيق كانوا يخجلون من الكرملين".

مجموعة من الألمان عند سور برلين عام 1989
ضباط حرس حدود في ألمانيا الشرقية ينظرون إلى الغرب بعد أن هدم المتظاهرون جزءًا من جدار برلين عند بوابة براندنبورج
انقلاب فاشل

مع عجز البدن السوفيتي، أطلق المتبقون من قيادة الحزب الشيوعي، في أغسطس 1991، محاولة انقلابية ضد ميخائيل جورباتشوف، الذي عدّه ضعيفًا وعاجزًا لوقف انهيار الاتحاد السوفيتية، في محاولة للبقاء في السلطة، وعلى الرغم من فشل الانقلاب الذي نظّمه الحزب على نفسه، فإن هذا ولّد مزيدًا من التأييد لفكرة الاستقلال الكامل، بحسب ما أشارت وكالة "يونايتد برس" الأمريكية.

في الثامن من ديسمبر 1991، وقع زعماء أكبر ثلاث جمهوريات سوفيتية وأفواها "أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا" على معاهدة "بيلوفيسا"، التي تنص على إلغاء الاتحاد السوفييتي تلاشي وجوده، ما نتج عنه إلغاء الحزب الشيوعي كاملًا، وتفكيك الاتحاد السوفيتي رسميًا في 31 ديسمبر1991.

"بوتين" وحلم السوفييت

بالرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي قبل 31 عامًا، ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستخدم رموزًا وشعارات ومبادئ من فترات مختلفة من الماضي الروسي والسوفيتي لتعزيز مكانة الرئاسة في روسيا رمز الكرامة الوطنية، وحاولت الرئاسة الروسية التركيز على هذه الشعارات لجعلها مدعاةً للفخر والوطنية.

وبالرغم من أن أحد الأسباب التي دفعت روسيا إلى شن عملية عسكرية في أوكرانيا،تأمين حدودها، فإنه لا يزال حلم استعادة الاتحاد السوفيتي يطارد القادة الروس بقيادة بوتين الذي عاصر المجد والضعف ثم الانهيار.