أرواح للبيع.. الوجه القبيح لسياحة الأعضاء والسوق السوداء
في عالم يتسابق فيه التقدم الطبي مع الحاجة المتزايدة لزراعة الأعضاء، تبرز ظاهرة مقلقة تهدد أُسس الأخلاق الطبية وحقوق الإنسان، وهي سياحة زراعة الأعضاء والسوق السوداء لتجارة الأعضاء البشرية.
وسلطت صحيفة "نيوزويك" الأمريكية الضوء على الجوانب المظلمة لهذه الممارسات، وتكشف عن الآثار الوخيمة لهذه التجارة غير الأخلاقية على المجتمعات والأفراد حول العالم.
أرقام مفزعة
كشفت "نيوزويك" عن أرقام مروعة تعكس حجم مشكلة الاتجار بالأعضاء البشرية، فوفقًا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تم الاتجار بنحو 700 شخص لاستئصال أعضائهم بين عامي 2008 و2022، إلا أن الأرقام الحقيقية قد تكون أكثر إثارة للقلق، إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقرب من 10,000 كِلية، وهي العضو الأكثر طلبًا في السوق السوداء، يتم الاتجار بها سنويًا، ما يكشف عن حجم المأساة الإنسانية التي تختبئ وراء هذه التجارة غير الشرعية.
رحلات يائسة في سوق الحياة والموت
تعد سياحة زراعة الأعضاء ظاهرة مثيرة للجدل والقلق في عالم الطب الحديث، إذ إنه وفقًا لـ"نيوزويك"، فإن هذه الممارسة تنطوي على سفر المرضى، غالبًا من الدول المتقدمة، إلى بلدان أخرى حيث القوانين أقل صرامة للحصول على أعضاء بشرية للزرع.
ووصف الدكتور فرانسيس ديلمونيكو، الخبير الدولي في زراعة الأعضاء، هذه الظاهرة بأنها "جريمة ضد الإنسانية"، تستغل هذه السياحة الطبية الفجوة الاقتصادية بين الدول، إذ يقوم الأثرياء اليائسون بشراء أعضاء من الفقراء المحتاجين.
وغالبًا ما تتم هذه العمليات في ظروف طبية دون المستوى، ما يعرض كلًا من المتبرع والمتلقي لمخاطر صحية جسيمة.
وتشير التقديرات إلى أن آلاف العمليات تتم سنويًا ضمن هذا الإطار، ما يخلق سوقًا سوداء عالمية تقوض الجهود الشرعية للتبرع بالأعضاء وتثير تساؤلات أخلاقية عميقة حول قيمة الحياة البشرية وعدالة الرعاية الصحية العالمية.
مناطق ساخنة لتجارة الأعضاء
وكشفت الصحيفة عن وجود "مناطق ساخنة" حول العالم حيث تنشط تجارة الأعضاء بشكل ملحوظ، حيث تُشكّل الفجوة الاقتصادية الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية أرضًا خصبة لهذه التجارة غير المشروعة في شبه القارة الهندية.
وفي جنوب شرق آسيا، تستغل شبكات الاتجار ضعف الأنظمة القانونية وانتشار الفقر لتجنيد "متبرعين" يائسين، أما في أجزاء من أمريكا اللاتينية، فقد تم رصد عمليات معقدة عبر الحدود تشمل عدة دول في المنطقة.
وفي شرق أوروبا، يشير التقرير إلى وجود شبكات منظمة تستهدف الفئات الضعيفة اقتصاديًا، كما تم تحديد بعض الدول في إفريقيا جنوب الصحراء كنقاط رئيسية في شبكة الاتجار العالمية، إذ يتم استغلال الفقر المدقع والنزاعات المحلية.
هذه الخريطة العالمية تؤكد الطبيعة العابرة للحدود لهذه التجارة، وتبرز الحاجة الملحة لتعاون دولي منسق لمكافحتها.
شبكة معقدة من الجريمة المنظمة
وكشفت "نيوزويك" عن وجود سوق سوداء عالمية معقدة لتجارة الأعضاء تعمل عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل تليجرام والإنترنت المظلم، وهذه الشبكات الإجرامية لا تستغل فقط الضحايا المباشرين، بل تهدد أيضًا سلامة النظم الصحية العالمية.
وقال مايكل فولز، الخبير في مكافحة الاتجار بالبشر، إن هذه الشبكات تستخدم التكنولوجيا الحديثة مثل العملات المشفرة لتسهيل عملياتها، مما يجعل تعقبها ومكافحتها أكثر صعوبة.
ما وراء الأرقام
وتتجاوز الآثار السلبية لسياحة زراعة الأعضاء والسوق السوداء بكثير مجرد الأرقام والإحصاءات، فالضحايا، وهم غالبًا من الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، يتعرضون لمخاطر صحية جسيمة، إذ يؤكد الخبراء أن عمليات استئصال الأعضاء غير القانونية غالبًا ما تتم في ظروف غير صحية ودون رعاية طبية مناسبة بعد العملية، ما يعرض حياة المتبرعين للخطر. كما أن الآثار النفسية والاجتماعية على الضحايا وعائلاتهم يمكن أن تكون مدمرة وطويلة الأمد.
معركة متعددة الجبهات
تواجه الجهود الدولية لمكافحة سياحة زراعة الأعضاء والسوق السوداء تحديات قانونية وأخلاقية كبيرة، إذ يشير تحقيق "نيوزويك" إلى أن التباين في القوانين بين الدول يخلق ثغرات يستغلها المتاجرون. كما أن الطبيعة العابرة للحدود لهذه الجريمة تجعل من الصعب ملاحقة المتورطين قانونيًا.
وقال الدكتور توماس مولر، أحد قادة مبادرة إعلان إسطنبول لمكافحة الاتجار بالأعضاء: "العمل مع دولة واحدة فقط لن يكون كافيًا، نحتاج إلى تعاون دولي شامل لمواجهة هذه المشكلة المعقدة".