توغلت قوات أوكرانية داخل مناطق روسية، مؤخرًا، مما أثار التساؤلات حول الدوافع وراء تلك المجازفة من قبل كييف، وتداعياتها على مسار الحرب.
وفي واحدة من أكبر الهجمات الأوكرانية على روسيا في الحرب المستمرة منذ عامين، اخترق حوالي ألف جندي أوكراني الحدود الروسية بمنطقة كورسك، في الساعات الأولى من صباح السادس من أغسطس بالدبابات والمركبات المدرعة وأسراب من الطائرات المسيرة والمدفعية، وفقا لمسؤولين روس.
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الهجوم بأنه "استفزاز كبير". وقال دميتري ميدفيديف الرئيس الروسي السابق، إن الهجوم الأوكراني هو محاولة من كييف لإجبار روسيا على نقل قواتها من خطوط المواجهة الرئيسية، ولأن تظهر للغرب أنها لا تزال قادرة على القتال. وأضاف أنه نتيجة لهذا الهجوم، يتعين على روسيا توسيع أهداف حربها لتشمل أوكرانيا بالكامل.
والتزم الجيش الأوكراني الصمت، رغم أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي أشاد بقدرة جيشه، على إحداث "مفاجأة" وتحقيق نتائج. وقال زيلينسكي، إن موسكو يجب أن "تشعر" بالعواقب المترتبة على غزوها لأوكرانيا، مضيفًا لقد جلبت روسيا الحرب إلى أرضنا ويجب أن تشعر بما فعلته"، دون الإشارة مباشرة إلى الهجوم الأوكراني.
واعتبرت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية، أن قرار كييف بتوظيف جزء كبير من مواردها العسكرية المحدودة في عملية عبر الحدود داخل أراض روسية، يبدو أنه يهدف إلى تحقيق مكاسب إعلامية سريعة، إلا أن هدفه الاستراتيجي لا يزال غامضًا حتى الآن.
ووصفت الشبكة هذه الخطوة بأنها قد تكون "إما لحظة يأس أو إلهام لأوكرانيا"، موضحة أن قيادة الجيش الأوكراني أقدمت على مغامرة نادرة، بعد أن تم انتقاد تحركاتها في السنتين ونصف السنة الماضية، وتم اعتبارها "بطيئة ومحافظة للغاية".
وذكرت الشبكة، إنه بعد أسابيع من تحرك قوات روسية نحو مراكز عسكرية أوكرانية في بوكروفسك وسلوفيانسك، بدأت موسكو بعد الهجوم تتخبط لتعزيز خط جبهتها الأكثر أهمية، وهو حدودها الخاصة.
واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن الهجوم المباغت على كورسك، الواقعة على بعد نحو 530 كيلومترا جنوب موسكو، قد صُمم بعناية لنقل تداعيات الحرب إلى الأراضي الروسية، مشيرة إلى أنه "حتى الآن، لم يشعر كثير من الروس بالآثار المباشرة للصراع الذي أدى إلى تدمير العديد من المدن والبلدات الأوكرانية وتشريد الملايين".
ولعل هذا التحرك الأوكراني يهدف أيضًا، بحسب الصحيفة الأمريكية، إلى تشتيت القوات الروسية وإجبارها على إعادة تموضعها بعيدًا عن مناطق أخرى على امتداد خط المواجهة، حيث شهدت القوات الأوكرانية تراجعًا تدريجيًا في الأشهر الأخيرة.
وتوقعت "سي. إن إن" أن يندرج التوغل الأخير ضمن "استراتيجية أكبر" تهدف إلى التأثير على إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وبالتالي الحد من مصدر تمويل هام لموسكو، حيث يقع المكان الذي هاجمته أوكرانيا بجوار محطة غاز روسية، على الحدود مباشرة، وهي أساسية لتوريد الغاز من روسيا، عبر أوكرانيا، إلى أوروبا.
كما أشارت إلى أن كييف ربما تفكر في تغيير استراتيجيتها من استهداف البنية التحتية الروسية عن بعد إلى إرسال قوات برية داخل الأراضي الروسية، مما ينطوي على خطورة على الجيش الأوكراني ويمثل تحديًا جديدًا للكرملين.
وربطت الشبكة هذا التحرك أيضًا بوصول الأسلحة الغربية، خاصة مقاتلات أف-16، التي من شأنها تغيير موازين القوى الجوية لصالح أوكرانيا، رغم استمرار بعض التحديات مثل نقص الذخيرة.
وجوابا على سؤال، ما الذي يدفع أوكرانيا لاتخاذ هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر في هذا التوقيت بالذات؟، لفتت "سي. إن. إن" إلى دوافع استراتيجية أخرى، مشيرة إلى أنه للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، بدأت تلوح في الأفق بوادر محادثات سلام. وقد تشهد الفترة المقبلة دعوة روسيا للمشاركة في مؤتمر سلام ترعاه أوكرانيا وحلفاؤها.
كما أن نسبة الأوكرانيين المؤيدين للتفاوض، رغم كونهم أقلية، آخذة في الازدياد ولو بشكل طفيف. وفوق كل هذا، يلقي احتمال عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية بظلاله على حسابات كييف الاستراتيجية.
ومع تزايد احتمالات التوصل إلى حل تفاوضي، يسعى كلا الطرفين، وفقا للشبكة الأمريكية، إلى تعزيز مواقعهما الميدانية، قبل بدء أي مفاوضات محتملة. ولعل هذا التحرك الجريء يشير إلى قناعة متنامية لدى القيادة الأوكرانية بقرب حدوث تحول جوهري في مسار الصراع أو بتغيرات استراتيجية وشيكة على الساحة السياسية أو العسكرية.