أثار اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في العاصمة الإيرانية طهران، دعوات للانتقام من أعلى مستويات القيادة الإيرانية، وسط التوترات المشتعلة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط، والذي أدى في السابق إلى أول تبادل مباشر للهجمات بين إيران وإسرائيل في أبريل الماضي.
كما أكد حزب الله اللبناني، مساء الأربعاء، مقتل القيادي البارز في صفوفه، فؤاد شكر، الذي اغتيل بغارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية مساء الثلاثاء. فيما يستعد الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، لإعلان رده، خلال كلمة مرتقبة اليوم الخميس.
وبينما تدرس طهران نطاق وحجم خططها للانتقام لاغتيال هنية، وإنقاذ ماء وجهها بعد اغتياله على الأراضي الإيرانية، وتناقش إسرائيل خطط الردع، رسمت مجلة "نيوزويك" الأمريكية ثلاثة خيارات إيرانية للرد على الهجوم الإسرائيلي، وفق المحلل السياسي المقيم في طهران، أمير حسين فازيريان.
3 خيارات
يستلزم الخيار الأول ما أسماه فازيريان "عملية مباشرة"، على غرار الهجوم الصاروخي والطائرات المُسيرة الواسع النطاق، والذي شنته إيران ضد إسرائيل في أبريل، ردًا على مقتل مسؤولين عسكريين إيرانيين في مبنى قنصلي إيراني في العاصمة السورية دمشق.
وذكرت التقارير أن إسرائيل ردت بضربة هادئة ضد قاعدة جوية في أصفهان، جنوب منشأة نطنز النووية الإيرانية، على الرغم من أن أيًا من الجانبين لم يعترف رسميًا بالتورط الإسرائيلي.
أما الخيار الثاني فهو "عملية غير مباشرة" لصالح إيران، باستخدام "وكلائها"، وخاصة حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية، والتي أطلقت أيضًا هجمات ضد إسرائيل بسبب العدوان على غزة.
وبالنسبة للخيار الثالث الذي وصفه فازيريان، فهو "عملية هجينة" تتضمن هجومًا إيرانيًا مباشرًا على إسرائيل، فضلًا عن ضربات متزامنة من قبل فصائل محور المقاومة.
ونقلت "نيوزويك" عن فازيريان قوله: "أعتقد أن إيران، وأعضاءً آخرين في محور المقاومة، قادرون على مهاجمة أكبر مدينة في إسرائيل، تل أبيب، وحتى حيفا. ومن المهم مهاجمة إسرائيل رمزيًا ومينائها في هذا السياق".
وفي نهاية المطاف، زعم المحلل الإيراني أن أحد العوامل الأكثر حسمًا في تحديد مستوى رد طهران، سوف يعتمد على الأساليب التي استخدمتها إسرائيل في اغتيال هنية.
يقول: "إذا تم تنفيذ عملية القتل من بعيد، باستخدام جهاز مثل طائرة رباعية المراوح، فربما تقرر إيران الرد بشكل غير مباشر. من ناحية أخرى، إذا تم تنفيذ الهجوم من داخل الأراضي الإيرانية، كما تشير التقارير الأولية، فربما تهاجم إيران إسرائيل بشكل مباشر".
لا حرب
يعتقد فازيريان أنه رغم أهمية الرد الإيراني القوي لحفظ ماء الوجه، إلا أن أيًا من الجانبين لا يسعى بشكل مباشر إلى حرب شاملة.
وقال: "لا أعتقد أن إيران ستواصل الحرب الشاملة ضد إسرائيل، كما أن إسرائيل لن تشن حربًا شاملة ضد إيران بمفردها. أعتقد أن الأمر أشبه بلعبة شطرنج، حيث تحاول كل من إيران وإسرائيل السيطرة على مجريات اللعبة؛ من أجل الحفاظ على توازن القوى في المنطقة وفي الحرب الحالية في المنطقة".
ووصف جواد هيرانيا، مدير دراسات الخليج الفارسي في مركز البحوث العلمية ودراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية، ومقره طهران، الوضع المعقد بالنسبة لإيران، مشيرًا إلى أن "نتنياهو يريد توسيع الحرب؛ من أجل جر إيران إلى حرب إقليمية ومن ثم إدخال أمريكا في الصراع".
وقال هيرانيا لـ "نيوزويك" إنه من ناحية، يتعين على إيران أن ترد بقوة على إسرائيل، ومن ناحية أخرى، فإن الرد القوي قد يؤدي إلى توسيع نطاق الحرب، وهو ما قد يفيد نتنياهو، مُشيرًا إلى أن "هذه القضية يمكن أن تلقي بظلالها على المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا؛ وهي القضية التي أكد عليها مسعود بزشكيان، كثيرًا من أجل رفع العقوبات".
وأشار إلى أن اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية "أظهر مرة أخرى ثغرة في أجهزة الاستخبارات والأمن الإيرانية"، وهي الثغرة التي استغلتها إسرائيل خلال السنوات الماضية، وقامت باغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، وتخريب المنشآت العسكرية والنووية، مضيفًا أنه "يتعين على إيران أن تسد هذه الفجوات".
مأزق أمريكي
وفق سينا آزودي، الباحث الزائر في معهد دراسات الشرق الأوسط بكلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، فإن التأثير الأكبر لمقتل هنية والرد الإيراني اللاحق، سيكون على مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن "حزب الله منخرط بالفعل في صراع مُتصاعد مع إسرائيل؛ لذا فإن السؤال هو ما إذا كانت إيران ستخاطر بإشراك حزب الله أم لا".
ونقلت "نيوزويك" عن آزودي قوله "إذا تتبعنا ردود الفعل الإيرانية السابقة، فإنني أزعم أنهم سيختارون الرد الذي يحمل الرسالة السياسية الأعلى، مع أقل قدر من الأضرار المادية".
ولكن مع التساؤلات المحيطة بنوايا نتنياهو، ردد آزودي ما قاله هيرانيا "إسرائيل تحرض إيران على اتخاذ إجراء من شأنه أن يوسع بشكل كبير طبيعة الصراع الذي أثار بالفعل جبهات متعددة في جميع أنحاء المنطقة".
وقال: "يجب أن نضع في اعتبارنا أن الإسرائيليين يحاولون جر الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة مع إيران. وهذه الحرب لديها القدرة أيضًا على التحول إلى صراع إقليمي يجر الولايات المتحدة معه".
وكان وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أكد الثلاثاء، خلال زيارة إلى الفلبين "إذا تعرضت إسرائيل للهجوم، فإننا بالتأكيد سوف نساعد في الدفاع عنها". وفي الوقت نفسه، قال إن البنتاجون "سيفعل كل ما في وسعه للتأكد من أننا نمنع الأمور من التحول إلى صراع أوسع نطاقًا في جميع أنحاء المنطقة".
لكن بالفعل، دخلت الولايات المتحدة في الأزمة بشكل غير مباشر، حيث اعترضت السفن الحربية الأمريكية، مرارًا وتكرارًا، الصواريخ التي أطلقتها جماعة الحوثي على إسرائيل والسفن المتجهة إليها، في حين نفذ الطيران الأمريكي طلعات جوية ضد مواقع الجماعة، التي تعهدت بمواصلة هجومها غير المسبوق، حتى توقف إسرائيل عدوانها على غزة.
كما شنت الولايات المتحدة عدة ضربات ضد فصيل آخر من فصائل "محور المقاومة"، وهو "المقاومة الإسلامية في العراق"، التي شنت حملة استمرت عدة أشهر من الهجمات الصاروخية والمسيرات ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، والتي توقفت إلى حد كبير بعد مقتل ثلاثة جنود أمريكيين على الحدود الأردنية.