أصبح الجولان السوري المحتل، أحد أهداف القصف المتبادل بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، بعد الهجوم الصاروخي الذي استهدف قرية "مجدل شمس" في المرتفعات المحتلة منذ 1967.
وأمس السبت، تعرضت مجدل شمس لقصف صاروخي استهدف ملعبًا لكرة القدم أثناء إقامة مباراة للأطفال، ما أودى بحياة 12 شخصًا وإصابة 30 آخرين، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.
وبينما اتهمت إسرائيل حزب الله بالوقوف وراء الضربة، نفت الجماعة اللبنانية مسؤوليتها عن الهجوم.
مجدل شمس ترفض الاحتلال
وتعتبر مجدل شمس أكبر القرى الدرزية في مرتفعات الجولان السوري المحتل منذ 1967، وتقع عند سفح جبل حرمون، ويقطنها نحو 12 ألف نسمة، ورغم محاولة إسرائيل على مدى عقود لطمس هويتهم، لكنهم متمسكون بانتمائهم إلى سوريا.
ولهذه القرية أهمية تاريخية تعود إلى عصور قديمة، وذلك لموقعها الاستراتيجية من جهة، وخصوبة أراضيها من جهة أخرى، كما شهدت صراعات مختلفة، أبرزها في ستينيات القرن الماضي، عندما سقطت مرتفعات الجولان بيد الجيش الإسرائيلي، قبل أن يضمها رسميًا مطلع الثمانينات، لكن السيطرة الإسرائيلية على الجولان لم تحظ بأي اعتراف دولي، باستثناء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أقرّ بسيادتها على المرتفعات أثناء ولايته الوحيدة.
وعلى غرار سكان الجولان، يتمسك أهالي مجدل شمس بهويتهم السورية، وقاوموا لعقود محاولات إسرائيل فرض قوانينها وهويتها عليهم.
ولطالما أعلنت إسرائيل أنها لن تتخلى عن مرتفعات الجولان التي تُسيطر عليها منذ أكثر من نصف قرن، مؤكدة على لسان مسؤوليها أنها ماضية في بناء المزيد من المستوطنات، بينما تستنكر دمشق تلك التصريحات وتصفها بـ"العدوانية"، متهمة تل أبيب بانتهاك قرارات الشرعية الدولية.
وتمتد مجدل شمس على مساحة 12 كيلومترًا مربعًا في هضبة الجولان التي تقدر مساحتها بـ1860 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ أقصى ارتفاعاتها في جبل الشيخ 2814 مترًا، بينما تعد منطقة البطيحة أخفض نقطة عن سطح البحر (200 متر).
وإلى جانب غناها بالمياه ومناخها المعتدل والمتنوع، وخصوبة أرضها، ومناسبتها لزراعة أجود أنواع التفاح والعنب الكرز، شكلت هضبة الجولان عبر تاريخها نقطة تلاقي حضارات وثقافات ومسرحًا للعديد من الصراعات، كما تُعد القرية نقطة انطلاق للرحلات والمشي والتزلج على جبل الشيخ.
وتعود تسمية أماكن كثيرة في الجولان إلى الحضارات التي قطنت أرضه، مثل "مَجْدَل" والتي تعني البرج أو القلعة باللغة الكنعانية.
وبعد الحرب العالمية الأولى، أصبح الجولان جزءًا من مناطق الانتداب الفرنسي لسوريا، قبل أن ينتقل لاحقًا إلى سوريا المستقلة، وإبان "الثورة السورية الكبرى" في عام 1925، قاد الزعيم الشعبي أسعد كنج أبو صالح مئات المقاتلين من مجدل شمس والبلدات الأخرى في المعارك ضد القوات الفرنسية.
وخلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، حصنت سوريا القمة الغربية لمرتفعات الجولان التي تقع في وادي الحولة وبحيرة طبرية ووادي نهر الأردن الأعلى.
احتلال الجولان السوري
وفي حرب 1967، وجهت قوات الاحتلال الإسرائيلية اهتمامها صوب سوريا، إذ استطاعت بمساعدة الغطاء الجوي الذي وفرته طائراتها بناء طرق وصول إلى مرتفعات الجولان شديدة الانحدار، ثم شنّت هجومًا باستخدام سلاح المدرعات والمشاة، واستطاعت السيطرة على كامل المنطقة.
وحاول الجيش السوري في حرب 1973، استعادة الجولان، لكنه أخفق في ذلك، بينما استطاعت دمشق استرجاع مدينة القنيطرة سلميًا إثر انسحاب القوات الإسرائيلية التي أحدثت دمارًا كبيرًا في المباني قبل مغادرتها، ثم وقّع الطرفان اتفاقية "فضّ الاشتباك" برعاية أممية، والتي أفضت إلى نشر الأمم المتحدة قوات دولية في المنطقة الحدودية.
وبعد احتلال القوات الإسرائيلية للجولان عام 1967، اضطر الكثير من أهالي المنطقة إلى النزوح، وقد حدث ذلك على مرحلتين، الأولى شملت 30 ألف نازح إلى دمشق ودرعا والقنيطرة، وفي الثانية لحق 90 ألفًا بمن سبقهم، في حين لم يبق إلا قرابة 8 آلاف في 5 قرى هي مجدل شمس وعين قنية وبقعاثا ومسعدة والغجر.
وتعتبر القنيطرة التي فُصلت إداريًا عن العاصمة دمشق في عام 1966، أكبر مدن الجولان، وكان عدد سكانها قد بلغ في ذلك العام أكثر من 147 ألف نسمة.
وتقول الحكومة السورية إن الاحتلال الإسرائيلي عمل على تدمير ما يزيد على 131 قرية و112 مزرعة ومدينتين بين عامي 1971 و1972، مشيرة إلى تهجير سكان قرية سحيتا إلى مسعدة بعد تدميرها وتحويلها إلى معسكر.
ولا تزال أجزاء من القنيطرة مدمرة إلى الآن، رغبةً في إظهار حجم الدمار الذي خلّفه الاحتلال الإسرائيلي.
وتضيف بيانات دمشق أن هناك 76 حقل ألغام نشرتها إسرائيل في الجولان، إلى جانب نحو مليوني لغم من الأنواع الفتاكة والقنابل العنقودية، بعضها داخل القرى المأهولة أو حولها مثل مجدل شمس، كما يوجد في الجولان وفق المصادر ذاتها 60 معسكرًا للجيش الإسرائيلي.
انتفاضة الجولان ضد الاحتلال
وفي 14 فبراير 1982، شهد الجولان انتفاضة شعبية عارمة رفضًا لقرار الكنيست بدء تطبيق القوانين الإسرائيلية، بما فيها فرض "الهوية والتجنيد الإجباري"، حيث نفّذ السكان ولا سيما في قرية مجدل شمس، إضرابًا شاملًا، وخرجوا في مظاهرات حاشدة، دفعت السلطات الإسرائيلية التي استخدمت العنف بدايةً، إلى التراجع عن قرارها بعد أشهر.
وفي 14 ديسمبر عام 1981، أقرّ الكنيست الإسرائيلي ما يسمى بـ"قانون الجولان" الذي تم بموجبه فرض "القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية" على المنطقة المحتلة، ولكن مجلس الأمن الدولي سرعان ما رد على الخطوة الإسرائيلية باتخاذ القرار 497 بعد 3 أيام فقط، والذي اعتبر فيه أن "قرار إسرائيل ضم الجولان لاغٍ وباطل وليس له أي أثر قانوني على الصعيد الدولي".
وفي ديسمبر 2020، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية أعضائها، قرارًا يُجدد المطالبة بضرورة انسحاب إسرائيل من الجولان السوري المحتل، إذ حظي القرار بتأييد 88 دولة ومعارضة 9 دول وامتناع 62 عن التصويت، مؤكدًا عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة وفقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وعدم مشروعية بناء المستوطنات والأنشطة الأخرى.
واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 1991، عندما بدأت محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل في مؤتمر مدريد برعاية أمريكية، وكانت عودة الجولان السوري موضوعًا رئيسيًا فيه، لكن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض إسرائيل الانسحاب الكامل.
وفي 25 مارس 2019، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا بـ"سيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل"، وذلك عقب مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، الذي شكر ترامب واصفًا إياه بـ"أفضل صديق عرفته إسرائيل".
لكن في 25 يونيو الماضي، قالت وسائل إعلام أمريكية إن إدارة الرئيس جو بايدن قد تتراجع عن اعتراف الولايات المتحدة التاريخي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، في خطوة تُشكل ضربة كبيرة لإسرائيل.
وفي اليوم التالي، نفت وزارة الخارجية الأمريكية تغيير موقفها، مشيرة في تغريدة على تويتر إلى أن "سياسة الولايات المتحدة تجاه الجولان لم تتغير، والتقارير التي تقول عكس ذلك خاطئة".
وقبل ذلك، قررت الحكومة الإسرائيلية الشروع في بناء مستوطنة جديدة في الهضبة تحمل اسم ترامب، تقديرًا لاعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الهضبة المحتلة، ليرتفع عدد المستوطنات إلى 33.
وتقع هضبة الجولان في أقصى جنوب غرب سوريا، وتُقدر مساحتها بـ 1860 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ أقصى ارتفاعاتها في جبل الشيخ 2814 مترًا، بينما تعد منطقة البطيحة أخفض نقطة عن سطح البحر (200 متر).