الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"كارثي لمستقبل الأمة".. الحرب وتناقص المواليد يزعجان روسيا

  • مشاركة :
post-title
معدل الإنجاب في روسيا وصل إلى مستوى منخفض للغاية بلغ 1.4 ولادة لكل امرأة

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

في حين تنشغل روسيا بعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، تبرز قضية ملحة داخل حدودها، وهي أزمة ديموغرافية تهدد نسيج البلاد ذاته، التي وصفها الضابط السابق في الجيش البريطاني الكولونيل تيم كولينز، بأن المجتمع الروسي "على شفا كارثة"، بعد ما تغير جذريًا بسبب انخفاض معدلات المواليد وارتفاع هجرة الشباب.

وواجهت روسيا عددًا لا يحصى من التحديات الديموغرافية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك الشيخوخة السكانية، وتدفق الرجال إلى الخارج بسبب الصراع في أوكرانيا، وأدنى معدل للخصوبة في 17 عامًا.

وتوقع خبراء أن عدد سكان روسيا قد ينخفض ​​إلى 130 مليون نسمة بحلول أربعينيات القرن الحالي.

وللضغط الذي تمثله المشكلة، قال الكرملين إنه "يعمل بجد لعكس اتجاه انخفاض معدلات المواليد في روسيا"، محذرًا من أن "الاتجاهات الديموغرافية الكارثية" تعرّض مستقبل البلاد للخطر.

وأشار المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إلى أن المعدل وصل الآن إلى مستوى منخفض للغاية، بلغ 1.4 ولادة لكل امرأة، ما يضاهي المعدلات في الدول الأوروبية واليابان "لكن هذا كارثي لمستقبل الأمة"، حسب تعبيره أمس الجمعة.

وقال بيسكوف: "أي شخص لديه العديد من الأطفال هو بطل.. نحن نعيش في أكبر دولة في العالم، ويقل عددنا كل عام، والطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا هي زيادة معدل المواليد المتوسط"، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.

انخفاض قاسٍ

كان عدد سكان روسيا نحو 148 مليون نسمة عند تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، وهو رقم يبلغ الآن نحو 144 مليون نسمة بعد فترة طويلة من ارتفاع معدلات الوفيات، وانخفاض معدلات المواليد في تسعينيات القرن العشرين.

ولم يتعاف معدل المواليد في البلاد منذ العصر السوفييتي، على الرغم من أن حكومة الرئيس فلاديمير بوتن عرضت دفعات سخية وإعانات رهن عقاري للأسر الكبيرة.

وتشمل المشكلات الأخيرة أعدادًا كبيرة من الوفيات الناجمة عن كوفيد-19، وفرار مئات الآلاف من الرجال من البلاد لتجنب تعبئتهم للقتال في أوكرانيا، ووصول الهجرة إلى روسيا إلى أدنى مستوى لها في عشر سنوات في عام 2023.

وتشير الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن وكالة الإحصاء الروسية الرسمية "روستات" إلى اتجاهات مثيرة للقلق، فمع توقع استمرار انحدار عدد السكان، حذر خبراء مختلفون من مستقبل قد يختفي فيه ما يقرب من نصف سكان البلاد بحلول نهاية القرن إذا لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة.

وفي حديثه لجريدة "بيناكل" علّق الضابط البريطاني كولينز قائلًا: "روسيا تموت حرفيًا"، مؤكدًا على الطبيعة الحرجة لهذا الانحدار الديموغرافي، والاضطرابات الاجتماعية التي قد تلي ذلك.

في محاولة لمكافحة هذه الأزمة، تضمنت المقترحات التشريعية الأخيرة من جانب المسؤولين الروس تدابير مثيرة للجدال تتعلق بحقوق الإنجاب للنساء.

فقد اقترح فاليري سيليزنيوف، العضو البارز في مجلس الدوما، إطلاق سراح السجينات بغرض زيادة معدلات المواليد.

وفي الوقت نفسه، دعا البطريرك كيريل، من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، إلى سن قوانين صارمة ضد الإجهاض، للحد مما يراه كارثة وطنية، وقال في نوفمبر الماضي: "نحن في حاجة إلى المزيد من الناس، وهذا أمر واضح؛ والجميع يعترف بذلك". كما اقترح حظر العيادات الخاصة من إجراء عمليات الإجهاض، بسبب التهديد الديموغرافي المتصور.

مشاعر مختلطة

في الحياة الروسية التقليدية، تشكل الأسرة أهمية مركزية، لكن هذه القيمة الأساسية أصبحت الآن موضع تحدي في ظل الحقائق القاتمة للسياسة والاقتصاد الحديثين.

وتشير جهود الحكومة الروسية في التعامل مع هذه الأزمة وتصحيحها إلى اعتراف متزايد بأن السياسات لا تعني الكثير في غياب الناس، ولكن المنتقدين يزعمون أن مجرد تقديم الحوافز المالية للولادة قد يفشل في معالجة الأسباب الجوهرية وراء الإحجام عن إنجاب الأطفال وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي.

وعلى الرغم من التحركات الحكومية، فإن المشاعر العامة بين الروس أنفسهم تظل مختلطة. ففي حين تدعم بعض التدابير الرامية إلى زيادة معدل المواليد، فإن العديد من الشباب يعبرون عن رغبتهم في الهجرة، الأمر الذي صار واقعًا بالفعل، بينما انخفاض معدلات المواليد، وزيادة هجرة الشباب، يشكلان تهديدًا مزدوجًا لهوية روسيا.

تشير جريدة "بيناكل" إلى تفاقم الأزمة الديموغرافية بسبب الصراع الدائر في أوكرانيا، مع تزايد عدد الضحايا بين الرجال في سن الخدمة العسكرية "ومع تراجع التصورات الدولية للسلامة والاستقرار، تتردد الأسر الشابة في الالتزام ببدء حياة جديدة في ظل آفاق مستقبلية غامضة، وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا في القيم التقليدية المضمنة في الثقافة الروسية".

كما لفت المؤرخ البريطاني كينيث هاجان إلى أن "هذه الأعداد سوف تستمر في الانخفاض ما لم تجد روسيا وسيلة لغرس شعور بالأمل في الأمد البعيد لدى الأسر الشابة".

وفي سياق متصل، يشكل انخفاض معدل المواليد في روسيا وشيخوخة السكان تحديات مستقبلية للقطاعات الحيوية اقتصاديا، من الرعاية الصحية إلى العمل.

وفي غياب قوة عاملة شابة قوية، يحذّر الخبراء من أن قدرة روسيا على دعم نفسها اقتصاديا قد تتآكل بشكل كبير. كما ذكرت "بيناكل"، التي أشارت إلى أنه "في جوهر الأمر، لا تهدد الاتجاهات الديموغرافية الأسر فحسب، بل تهدد أيضًا قابلية استمرار آفاق الاقتصاد الروسي، الأمر الذي دفع إلى مناقشة وطنية تتعارض مع المعايير الثقافية الراسخة".