بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي ليحثهم على المزيد من الدعم، كانت الأنباء تتوالى بأن جيش الاحتلال استعاد بعض جثث المحتجزين لدى حركة حماس، وسط انتقادات خارجية، واحتجاجات لا تنتهي في الشارع الإسرائيلي، بسبب عجز حكومته عن إتمام صفقة تبادل.
وفي الوقت الذي يحثه فيه كل رؤساء أجهزة الأمن ووزير دفاعه على المضي قدمًا في التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المزيد من المحتجزين، على أساس الشروط التي وافق عليها بنفسه في نهاية شهر مايو، فإن نتنياهو لم يقدم في خطابه أمام الأمريكيين سوى وعد غامض بعدم الراحة حتى يعود كل المحتجزين إلى ديارهم.
هكذا، أكد الجمع بين خطاب نتنياهو الحماسي والأنباء القاتمة في الداخل الإسرائيلي، أنه في خطابه بدا وكأنه قدم السابع من أكتوبر باعتباره كارثة حلت بإسرائيل، ولكنها غير مرتبطة به بطريقة أو بأخرى. أو، كما ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" فإن طريقة نتنياهو جعلته يبدو "وكأنه لم يكن الزعيم في ذلك الوقت، ولم يكن يشرف على السياسة الإسرائيلية طيلة الفترة الماضية بأكملها تقريبًا، منذ وصول حماس إلى السلطة في غزة قبل 17 عامًا".
لم يكن ناجحًا
تشير صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن نتنياهو لم يذكر كلمة واحدة عن القضية الفلسطينية. بل "بنى خطابه بطريقة تجعل إيران هي العدو الأكبر للجميع -لإسرائيل والولايات المتحدة- واتهمها بالأساس بتفعيل كل الوكلاء ضد إسرائيل والولايات المتحدة، عندما ذكر حماس وحزب الله والحوثيين؛ وذلك يأتي في وقت تجري فيه إدارة بايدن محادثات سرية مع طهران".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "كانت هناك انتقادات حادة في دعوته -نتنياهو- لإدارة بايدن لزيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل، على الرغم من حرص نتنياهو على شكر بايدن على دعمه لإسرائيل، وإرسال حاملات الطائرات وزيارته للبلاد. ومن المفترض أن الأمريكيين لم يعجبهم تعليق نتنياهو حول المساعدات العسكرية، عندما زعموا أنه لا يوجد تأخير في إرسال الأسلحة باستثناء القنابل التي تزن طنًا".
وأضافت: "باستثناء المطالبة بتسريع شحنات الأسلحة، والإعلان عن أن إسرائيل والولايات المتحدة طورتا سلاحا متطورا -الذي استخدم نسخة منه في عملية الانتقام في إيران- لم يقل رئيس الوزراء شيئًا جديدًا. لقد حاول إعادة إسرائيل إلى مركز الخريطة السياسية، وإعادة خلق الإجماع بين الحزبين في الولايات المتحدة حول إسرائيل. لكنه لم يكن ناجحًا تمامًا".
رقصة الدماء
وصف محمد براخا، رئيس هيئة المراقبة العليا للجمهور العربي ونائب رئيس الكنيست السابق، الخطاب بأنه "مهرجان رقصة الدماء"، وأكد أن الشعب الفلسطيني، بمشاركة قادة العدوان وحرب الإبادة الإسرائيلية الأمريكية، وأعضاء الكونجرس دمى في المسرح.
وحسب موقع "والا" العبري، أشار براخا إلى أن مطالبة نتنياهو بالمزيد من الأسلحة الأمريكية "هي في الواقع بمثابة إعلان صارخ عن نية إسرائيل مواصلة العدوان والإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني، بدلًا من السعي إلى وقف إطلاق النار، وبالتالي فرض السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة عسكريًا".
وأشار عضو الكنيست السابق إلى أن إسرائيل "تسعى لاختراع حكومة عميلة لإدارة قطاع غزة، وهو أمر لا يمكن أن يتم دون موافقة الشعب الفلسطيني".
وقال: "خطاب مجرم الحرب نتنياهو مليء بالأكاذيب والتزييف، ومحاولة للتعتيم على جرائم الدمار والتجويع والتهجير والتعذيب والاعتقال".
وشدد براخا على أن "تأكيد نتنياهو أن حروب إسرائيل تنقذ الجنود الأمريكيين من الحرب والموت في المنطقة ليس أكثر من إعلان واضح ومدوي بأن نتنياهو يخصص لشعبه الدور الاستعماري الذي تلعبه إسرائيل في خدمة الإمبريالية".
ولفت إلى أن الهجوم والتركيز الكبير الذي خصصه نتنياهو لمهاجمة الحركة الاحتجاجية الشعبية الواسعة في أمريكا والعالم ضد الحرب، يشهد على ذعر مؤسسات الاحتيال الإسرائيلية والأمريكية، التي فشلت فشلًا ذريعًا في الخداع والتزييف ومحاولة إخفاء الحقيقة للجرائم الفظيعة التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني".
تشويه الآخرين
أشارت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن نتنياهو "تحدث بإعجاب عن إسرائيل المرنة والمبتكرة والديمقراطية. ولكن في الداخل، يذبل جنود الاحتياط تحت وطأة الخدمة العسكرية التي تتجاوز في كثير من الحالات 250 يومًا".
وأكدت الصحيفة أن هذا العبء، الذي تفاقم بسبب رفض رئيس الوزراء فرض الخدمة العسكرية، أو أي خدمة وطنية، على أغلب أفراد المجتمع الحريدي، يثير موجة غضب أخرى بسبب تجاهل نتنياهو مصلحة بقية شعبه من أجل الحفاظ على بقاء الائتلاف "وبدون الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة، بطبيعة الحال، لن يكون لديه ائتلاف".
كما أكدت الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية "متضخمة بالوزراء غير الأكفاء، وهي تهدر الموارد الثمينة على مصالحها الضيقة ومشاريعها المفضلة".
وتمنت الصحيفة أن "يحكم نتنياهو إسرائيل كما يتحدث عنها"، لأن أوراق اعتماده كرجل أمن احترقت في السابع من أكتوبر ولن يتمكن أحد من استعادتها، كما ضعفت مكانته في الداخل بسبب رفضه تحمل المسؤولية عن الكارثة التي حدثت في عهده، رغم أنه لم يلمح إليها إلا بالكاد في خطابه".
وأشارت إلى أن كل هذا يأتي "فضلاً عن ازدرائه المتواصل وتشويه سمعة أي منتقد محلي".