كانت محاولة الاغتيال التي تعرض لها المرشح الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية دونالد ترامب، أحدث العلامات على تصاعد العنف السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي كشفته الاستطلاعات المختلفة على مدار العقود الماضية، وتوقع المحللون ارتفاع تلك الوتيرة خلال الفترة المقبلة.
وفي الوقت الذي أحدث فيه ذلك الأمر صدمة للأمريكيين، إلا أن ما وصفتهم مجلة "تايم" بخبراء التطرف السياسي كانوا توقعوا ذلك الهجوم الكبير، بسبب العديد من العوامل التي جعلت الوضع قابل للاشتعال، لافتين إلى أنه تجسيد للبيئة السياسية التي يعيش فيها الأمريكيون، ومن وجهة نظرهم سيكون هناك المزيد.
أحداث مشحونة
وخلال السنوات الماضية، انتشرت الأسلحة النارية في المظاهرات بصورة كبيرة، كما أصبح كل حدث مشحون سياسيًا، بداية من قرارات المحكمة العليا إلى محاكمات ترامب وجلسات الاستماع في الكونجرس، والتي انتهت بهجوم عنيف على مبنى الكونجرس خلف خمسة قتلى و140 جريحًا.
وأثارت تلك الأمور، كما يرى متتبعو التطرف المحلي في وزارة الأمن الداخلي الأمريكي، تحذيرات بوجود تهديدات، وبات الأمر أكثر قتامة في هذه الانتخابات بعدما وصف كل مرشح الآخر بأنه تهديد وجودي للأمريكيين، وازداد الحديث عن حرب أهلية وشيكة.
تبرير العنف
ورصدت استطلاعات الرأي ارتفاعًا حادًا في نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن العنف وسيلة صالحة لتحقيق أهدافهم السياسية، وبحسب "تايم" أظهر استطلاع أجرته واشنطن بوست في 2021، أن 1 من كل 3 يعتقدون أن العنف ضد الحكومة يمكن تبريره، مقارنة بأقل من 1 من كل 10 في التسعينيات.
وفي استطلاع شبكة "بي بي إس"، قال 28% من الجمهوريين و12% من الديمقراطيين إنهم يعتقدون أن الأمريكيين قد يضطرون إلى اللجوء للعنف لإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح، بينما في يونيو الماضي قال 10% في استطلاع شيكاغو إن استخدام القوة مبرر لمنع دونالد ترامب من أن يصبح رئيسًا.
الذئاب المنفردة
وشهدت الفترة الماضية في الولايات المتحدة تهديدات عنيفة ومضايقات واعتداءات جسدية استهدفت مسؤولين منتخبين ومدنيين، بداية من المشرعين البارزين والحكام وصولًا إلى موظفي الانتخابات وأعضاء مجالس المدارس، بجانب موجة من الترهيب أفضت إلى تفريغ المؤسسات الأمريكية وتعطيل القانون وطرد المخلصين وردع آخرين.
ويرى المحللون أن معظم مرتكبي العنف السياسي ليسوا أشخاصًا لهم تاريخ إجرامي، بل أمريكيون عاديون، بعيدون عن أعين السلطات، وتبلورت لديهم فكرة القيام بأعمال عنيفة بشكل خاص، وذلك بسبب البيئة السياسية التي لعبت دورًا في الهجمات التي قادها هذه الفئات، على نهج أشبه بـ"الذئاب المنفردة".
ارتفاع التهديدات
وارتفعت التهديدات ضد أعضاء الكونجرس بنحو عشرة أضعاف منذ عام 2015، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 8000 حالة في العام الماضي، وفقًا لشرطة الكابيتول الأمريكية، كما زادت التهديدات الخطيرة ضد القضاة الفيدراليين والتي تؤدي إلى إجراء تحقيق من 179 في عام 2019 إلى 457 في عام 2023.
وفي استطلاع أُجري في وقت سابق من هذا العام، أفاد أكثر من 40٪ من المشرعين في الولايات بأنهم تعرضوا للتهديد أو الهجوم خلال السنوات الثلاث الماضية، وقال ما يقرب من 90٪ إنهم عانوا من أشكال أخرى من الإساءة، بما في ذلك المضايقة والترهيب والمطاردة.
المحرك الرئيسي
وتعتبر الأيديولوجية هي المحرك الرئيسي والدافع للمهاجمين من يطلق عليهم "الإرهابيين البيئيين" إلى "المناهضين للإجهاض"، وفي السنوات الأخيرة كان الإرهاب الحزبي هو الأكثر انتشارًا وارتبط بتحديد الأمريكيين بصورة قوية بين ديمقراطيين أو جمهوريين، كما كان لوسائل التواصل عبر الإنترنت، بحسب المجلة، دور في تطرف المزيد، وجعلت من السهل عليهم تهديد المعارضين أو استهداف أعضاء أحزابهم الذين يعتبرونهم خونة.
دورة التعبئة
ولعبت اللغة أيضًا دورًا في زيادة العنف السياسي، ضاربين مثلًا بتصريح شهير لترامب تعهد فيه بالقضاء على الشيوعيين والماركسيين والفاشيين والبلطجية اليساريين المتطرفين الذين يعيشون مثل الحشرات الضارة، وحذر من أنه إذا لم ينتخب، فسوف يكون ذلك حمام دم للبلاد بأكملها، وبالمثل قال بايدن لأنصاره إن حريتهم على المحك بسبب ترامب.
وفي النهاية، يخشى المحللون أن تؤدي لقطات محاولة اغتيال ترامب، إلى تطرف المزيد من الأمريكيين وتغذية ما وصفوه بـ"دورة التعبئة العنيفة المستمرة والتعبئة المضادة" من قبل الأفراد والجماعات اليمينية واليسارية المتطرفة، الذين سيسعون لتجنيد المزيد من الأتباع، وانتشار فكرة "الذئاب المنفردة" الذين اعتبروهم المحرك الرئيسي للعنف السياسي.