لقى ثلاثة أشخاص مصرعهم وأصيب عدد آخر خلال إطلاق نار فى منطقة تسوق مزدحمة بالدائرة العاشرة، من العاصمة الفرنسية باريس، حيث هاجم شخص في أواخر الستينات مركزًا ثقافيًا كرديًا، أمس الجمعة، مستهدفًا أكرادا مدفوعًا بأغراض "عنصرية" وفق ما نقلته صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية، لتدخل فرنسا في دائرة الكراهية والعنصرية مرة أخرى بعد أعوام من الحوادث المتفرقة التي أصبح التطرف فيها البطل الرئيسي.
غضب الشارع الفرنسي
وعلى أثر الحادث، اندلعت اشتباكات في العاصمة الفرنسية، اليوم السبت، بين الشرطة وأفراد من الجالية الكردية الغاضبة، وخلال الاشتباكات انقلبت عدة سيارات وأُشعلت حرائق صغيرة بالقرب من ساحة الجمهورية، المكان التقليدي للمظاهرات في المدينة، حيث نظم الأكراد في وقت سابق احتجاجًا سلميًا.
وانضم إلى المظاهرة الكردية عدد من السياسيين والحقوقيين من بينهم رئيسة بلدية الدائرة العاشرة الواقعة بوسط باريس، ولوّحوا بالأعلام وهتافات مناهضة للعنصرية التي تواجه الأقلية الكردية في عدد من الدول.
وقالت بيريفان فيرات، المتحدثة باسم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا، لقناة بي.اف.إم التلفزيونية: "نعلم أننا مهددون، الأكراد بشكل عام، والنشطاء والمناضلون الأكراد. فرنسا مدينة لنا بالحماية".
إلى ذلك أعلنت النيابة العامة الفرنسية تمديد توقيف المشتبه به، وأشارت إلى أن التحقيق اعتمد أيضًا البحث في الدافع العنصري، فيما اندلعت أعمال عنف على هامش مسيرة تكريم للضحايا.
وتركز التحقيقات على تهم القتل ومحاولة القتل والعنف المسلح، إضافة إلى انتهاك التشريعات المتعلقة بالأسلحة بدافع عنصري. وقالت النيابة "إضافة هذا الأمر لا يغير الحد الأقصى للعقوبة المحتملة والتي تبقى السجن المؤبد".
دوافع عنصرية
ونقل موقع "إندبندنت" عن مصادره أن المشتبه به أكد أنه فعل ذلك لأنه "عنصري"، كما ذكر مصدر قريب من التحقيقات المتواصلة لتحديد دوافع عمله.
وصرّح المصدر أن المشتبه فيه الذي تمت السيطرة عليه قبل تدخل الشرطة أوقف وبحوزته "حقيبة صغيرة" تحتوي على "مخزنين أو ثلاثة ممتلئة بالخراطيش، وعلبة خرطوش من عيار 45 تحوي 25 خرطوشة في الأقل"، مؤكدًا بذلك معلومات نشرتها الأسبوعية الفرنسية "لو جورنال دو ديمانش".
وفي الوقت نفسه، تتواصل التحقيقات لتحديد الأسباب التي دفعت هذا الرجل البالغ من العمر 69 سنة الذي تمت ملاحقته العام الماضي أيضًا بسبب هجوم عنصري آخر، حيث تم اتهامه من قِبل سلطات باريس بارتكاب أعمال عنف ذات طابع عنصري، مع سبق الإصرار مستخدمًا أسلحة والتسبب بأضرار لأفعال ارتُكبت في الثامن من ديسمبر 2021 لكن تم إطلاق سراحه بعد ذلك.
وصرّح والد المشتبه فيه البالغ من العمر 90 سنة لوكالة الصحافة الفرنسية أن ابنه صباح يوم الحادثة "لم يقل شيئًا عندما غادر المنزل.. إنه مجنون"، مشيراً إلى أنه يميل إلى "الصمت" و"منغلق".
وأوضح وزير الداخلية الفرنسي أنه "أراد مهاجمة الأجانب" و"من الواضح أنه تصرف بمفرده"، مشيرًا إلى أنه كان يتردد على ميدان رماية.
وشدد على أنه "ليس من المؤكد أن القاتل الذي أراد قتل هؤلاء الناس..فعل ذلك لاستهداف الأكراد تحديدًا"، بينما تتناقل الجالية الكردية شائعات عن هجوم "سياسي".
وقالت لور بيكو، المدعي العام لباريس، خلال مؤتمر صحافي إن "الدوافع العنصرية للوقائع" ستكون "بالتأكيد جزءًا من التحقيقات". وأضافت مساء الجمعة في بيان "ليس هناك في هذه المرحلة ما يثبت أي انتماء لهذا الرجل لحركة أيديولوجية متطرفة".
وأدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الهجوم الدنيء" الذي "استهدف أكراد فرنسا".
ولم تسرّب السلطات الفرنسية أي تفاصيل عن الضحايا "غير المعروفين لدى أجهزة الشرطة الفرنسية"، كما قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان.
لكن عكيد بولات، الناطق باسم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا، قال إن أحدهم فنان كردي لاجئ سياسي و"ملاحق في تركيا بسبب فنه"، والرجل الثاني "مواطن كردي عادي" يتردد على الجمعية "يوميا". وأوضح أن بين القتلى امرأة كانت قد تقدمت بطلب للجوء السياسي "رفضته السلطات الفرنسية".
وصرّح رئيس المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا إنه من "غير المقبول" عدم وصف إطلاق النار بأنه "هجوم إرهابي". وصرّح بولات، المتحدث باسم المجلس، في مؤتمر صحفي بمطعم يبعد مئة متر عن مكان الهجوم "من غير المقبول عدم الحديث عن الطابع الإرهابي ومحاولة الإيحاء بأنه مجرد ناشط يميني متطرف جاء لارتكاب هذا الاعتداء على مقرنا".
باريس في مرمى التطرف
تعاني فرنسا من تنامي ظاهرة "التطرف" التي خلّفت أعمالًا إرهابية بصورة متطورة، بين التطرف الديني أو السياسي يقع جراءها ضحايا كل عام تقريبًا، بل وأصبحت تتطور بصورة كبيرة.
وقُتل نحو 253 قتيلًا ومئات الجرحى، أرقام أحصتها الصحافة الفرنسية لضحايا العمليات الإرهابية في البلاد منذ بداية عام 2015 وحتي عام 2020 فقط، لتطغي جرائم الكراهية والعنصرية على الشارع الفرنسي وتؤكد أن عاصمة النور تعيش معركة واضحة المعالم ضد ظاهرة التطرف الراديكالي، خاصة بعد تنامي تيار اليمين المتطرف في أنحاء أوروبا بصورة عامة.
ووفق دراسة لمؤسسة "فوندابول"، وهي أحد مراكز التفكير النافذة في فرنسا، أوضحت أن باريس تواجه منذ سنوات تصاعدًا كبيرًا في حجم وعدد الهجمات الإرهابية، بالتوازي مع تمدد الجماعات المتشددة، وكشفت المؤسسة أن فرنسا تعرضت لنحو 44% من الهجمات الإرهابية التي نفذتها الجماعات المتشددة في القارة الأوروبية، وتضم 42% من مجموع الضحايا.
وتشير المؤسسة البحثية في دراستها الاستقصائية إلى أن فرنسا هي الدولة الأكثر تضررًا في أوروبا من ظاهرة الإرهاب والعنصرية، حيث سجلت 80 هجومًا و330 وفاة بين 1979 وفبراير 2021، وفقًا لآخر تحديث.
ومن بين جميع دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بريطانيا، تلقت فرنسا وحدها ما يقرب من 44% من الهجمات الإرهابية التي نفذتها مجموعات متطرفة.
ومنذ الهجمات التي ارتكبها محمد مراح في 11 مارس 2012 حتى عام 2021، واجهت باريس 56 هجومًا متطرفًا أودى بحياة 293 شخصًا، من بينهم 18 طفلًا ومراهقًا.