انطلقت أمس فعاليات مؤتمر الاستثمار المصري-الأوروبي، على مدار يومي 29 و30 يونيو 2024، بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ويشارك في هذا المؤتمر عدد كبير من الكيانات الاقتصادية الكبرى من أوروبا وصناديق الاستثمار، إضافة إلى ممثلي القطاع الخاص المصري والغرف التجارية والمستثمرين، بالإضافة إلى ممثلي عدد من الجهات الدولية؛ في مقدمتها البنك الدولي. فهذ المؤتمر يهدف إلى تعزيز التعاون الاستثماري بين مصر والاتحاد الأوروبي وجذب المزيد من الاستثمارات الأوروبية إلى مصر، وهو الأمر الذي يعكسه الاهتمام بالترويج، خلال المؤتمر لمجموعة من الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر، خاصة في القطاعات الصناعية والطاقة المتجددة.
وترجع أهمية مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، إلى أن أن مصر شريك أساسي ومهم للاتحاد الأوروبي، كما أن الاتحاد الأوروبي يمثل سوق كبيرة سواء للتصدير أو لإقامة المشروعات المشتركة بين الجانبين المصري والأوروبي، ويبعث تنظيم هذا المؤتمر في هذا التوقيت وتحت رعاية رئيس الجمهورية ورئيسة الاتحاد الأوروبي، برسائل قوية جدًا؛ أهمها أن المناخ الاستثماري في مصر أصبح مناخًا جاذبًا وهذا مناخ مهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يُعتبر أكبر شريك تجاري لمصر التي بلغ حجم تجارتها معه السنة الماضية 31.2 دولار، كذلك بلغت قيمة استثمارات دول الاتحاد الأوروبي في مصر 8.2 مليار، دولار خلال العام المالي 2022/2023 مقابل 3.2 مليار دولار خلال العام المالي 2021 /2022 بنسبة ارتفاع قدرها 156.3%.
في هذا السياق، تُثار عدة تساؤلات يأتي في مقدمتها: ما الرسائل التي يبعثها "مؤتمر الاستثمار بين مصر والاتحاد الأوروبي 2024"؟ وما أهم النتائج المترتبة على تنظيم هذا المؤتمر؟
وفي ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل ليركز على استعراض النقاط الأساسية التالية:
رسائل قوية
يأتي تنظيم هذا المؤتمر في ظل العديد من المستجدات والتغيرات غاية التعقيد التي تشهد المنطقة والعالم في الوقت الراهن، في مقدمتها التداعيات الافتصادية المدمرة المرتبطة باستمرار الحرب على غزة ومن قبلها الأزمة الروسية الأوكرانية. وفي ضوء ذلك يمكن استخلاص عدد من الرسائل المهمة المرتبطة بذلك المؤتمر؛ يأتي في مقدمتها ما يلي:
(*) مساندة ودعم القيادة السياسية المصرية للمستثمرين خاصة في ظل التحديات التي تفرضها التغيرات الجيوسياسية العالمية والإقليمية الراهنة: رسالة مهمة من أجل الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة في القطاعات المختلفة بمصر، وهو الأمر الذي يجسده حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي، على افتتاح المؤتمر وحضور فعالياته، كما أن تنظيم المؤتمر في حد ذاته يبعث برسالة طمأنينة للمستثمرين، وأن مصر بلد الأمن والأمان بما يشجع على جذب المزيد من الاستثمارات.
(*) الإدارك الأوروبي المتزايد بأهمية تعزيز ودعم الاقتصاد المصري: فهذا المؤتمر يُمثل أهمية خاصة لزيادة التعاون المصري الأوروبي ونقل التجارب الأوروبية الناجحة في الاستثمار إلى السوق المصرية وهو ما يصب في صالح الاقتصاد المصري.
(*) تحديد الأولويات الاقتصادية لتنظيم المؤتمر بما يتلاءم مع التحديات الراهنة التي تواجه الدولة المصرية: يستهدف المؤتمر تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من خلال جذب الاستثمارات الأوروبية المتنوعة إلى مصر، خاصة في القطاعات ذات الأولوية مثل البنية التحتية المستدامة والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، والصحة والتعليم، والنقل المستدام وشبكات المياه والصرف الصحي.
(*) الاهتمام المصري بالأبعاد الاجتماعية للتعاون الاقتصادي مع الجانب الأوروبي: يهتم المؤتمر بالبعد الاجتماعي المتصل بتوفير فرص عمل ملائمة للمصريين بالخارج، إذ تشهد فعاليات هذا المؤتمر مناقشة مشروعات تصدير العمالة المدربة، نظرًا للطلب المتزايد على العمالة الفنية المصرية بأوروبا.
نتائج مهمة
تشمل الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي، 6 محاور يأتي على رأسها محور الاستثمار، إذ التزم الجانبان بتعزيز التعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية بما في ذلك التجارة، والطاقة والبنية التحتية، والنقل المُستدام، والزراعة، والأمن الغذائي، والتحول الرقمي، والأمن المائي، وشبكات المياه والصرف الصحي، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وغيرها من القطاعات الحيوية، وأشار الرئيس عبدالفتاح السيسي، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، إلى أنه "من المنتظر أن تحشد استثمارات أوروبية تقدر بنحو 5 مليارات يورو إلى جانب ضمانات استثمار بقيمة 1.8 مليار يورو للقطاع الخاص، بما يُسهم في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتمكين مجتمع الأعمال الأوروبي من الاستفادة من الإمكانات الاستثمارية المتاحة بمصر، ويعزز في الوقت ذاته من مكانة الاتحاد الأوروبي باعتباره الشريك التجاري والاستثماري الأبرز للاقتصاد المصري، وفي ضوء ما سبق، يمكن تحديد أهم النتائج المرتبة على تنظيم هذا المؤتمر، فيما يلي:
(*) توقيع عدد من الاتفاقيات الاستثمارية: تم توقيع عدد من الاتفاقيات الاستثمارية في مجالات متنوعة، خاصة قطاعي الطاقة المتجددة، والتصنيع. وتم كذلك توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات أخرى.
(*) تعزيز الشراكات بين القطاعين الخاصين في كل من مصر وأوروبا: شهد المؤتمر حضورًا واسعًا من ممثلي القطاع الخاص المصري والأوروبي، ما أدى إلى إبرام شراكات جديدة بين الشركات المصرية والأوروبية.
(*) تعظيم الاستفادة من العمالة المصرية المدربة: تمت مناقشة مشروعات تصدير العمالة المدربة إلى الدول الأوروبية، نظرًا للطلب المتزايد على العمالة الفنية المصرية في أوروبا، وتم وضع خطة لتصدير العمالة المدربة بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي.
(*) ترويج الفرص الاستثمارية المصرية: أعدت الحكومة المصرية استراتيجية ترويجية متكاملة لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة بمصر، بما يتماشى مع المتغيرات الجديدة في الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي. وتم الترويج لهذه الفرص من خلال السفارات المصرية في أوروبا قبل انعقاد المؤتمر.
(*) تطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر: كانت مشروعات الهيدروجين الأخضر من بين أبرز المجالات التي نالت اهتمامًا كبيرًا خلال المؤتمر، وتم التوقيع على اتفاقيات لتطوير هذه المشروعات بالتعاون مع الشركات الأوروبية.
(*) توسيع التعاون الاقتصادي: تم تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر والاتحاد الأوروبي، من خلال توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون في مختلف المجالات الاقتصادية.
إجمالاً، يمكن القول إن "مؤتمر الاستثمار بين مصر والاتحاد الأوروبي 2024" يُسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين مصر والاتحاد الأوروبي، وفتح آفاق جديدة للتعاون في العديد من المجالات المهمة لكلا الجانبين، فإذا كان هذا المؤتمر يحمل عنوانًا اقتصاديًا، إلا أنه يبعث برسائل سياسية واقتصادية واجتماعية غاية الأهمية مضمونها إصرار الدولة المصرية على الصمود في مواجهة التحديات العالمية والإقليمية الراهنة، ويتم ذلك عبر مسارين أساسيين؛ أولهما الاعتماد على الذات وثانيهما التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ على رأسهم الاتحاد الأوروبي، في تعزيز هذا الصمود بما يحقق الأهداف التنموية المصرية وتطلعات الشعب المصري في حياة ومستقبل أفضل، لذلك ليس بمستغرب أن يتزامن تنظيم هذا المؤتمر مع احتفالات مصر بثورة 30 يونيو.