عرفت جينات حب الفن طريقها إلى قلب المطرب المصري الراحل محرم فؤاد في سنوات طفولته، والتي جاءت في الأساس من والده الذي كان محبًا للفن والغناء، لكنه اختار الابتعاد، فيما كان موقف الابن مغايرًا وسمح لهذا العشق الذي تربى معه منذ طفولته بأن يستحوذ عليه، حتى صار أحد أبرز الأصوات المصرية في تاريخ الغناء العربي.
المطرب الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ90 ولد في حي بولاق أحد أبرز الأحياء الشعبية المصرية يوم 25 يونيو عام 1934، ووجد نفسه أسيرًا لأغنيات وموسيقى نجوم بارزين منهم محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، وبدأ منذ أن كان عمره 4 سنوات فقط تقليد أسلوبهم في الغناء مع اعتراضات من الأسرة، إلا والدته التي كانت تشجعه، لكن مع ذهابه إلى المدرسة الابتدائية تغير الحال مع تشجيع من أساتذته في المدرسة الذين انبهروا بخامة صوته المميزة.
أراد الابن أن يصبح مطربًا ووجد في الغناء والموسيقى سبيلًا لمواساة نفسه والتعبير عن مشاعره وحزنه الكامن في قلبه بعد وفاة والدته وعمره 5 سنوات فقط، لكن الوالد عارض هذه الرغبة وكانت له خطط أخرى لمستقبله، فهو لا يريد لابنه أن يتخذ طريق الفن مسلكًا، حتى توفي والده، وفي مقتبل العشرين من عمره قرر الفتي الشاب أن يترك لشغفه مساحة أكبر في حياته، خصوصًا أنه كان يحيي العديد من الحفلات في مناطق شعبية ومناسبات خاصة لأصدقائه ومعارفه، محاطًا بتشجيع وثقة من الجميع.
هذا التشجيع الذي لم يختبره محرم فؤاد في منزل العائلة، دفعه إلى السفر لمحافظة الإسكندرية والبحث عن فرصة هناك للغناء بعيدًا عن أعين أسرته، وحاول الالتحاق بالإذاعة المصرية التي كانت بمثابة البوابة للشهرة وقتئذ، لكنه لم يوفق في الاختبارات، ورغم ذلك لم يعرف اليأس طريقه إلى قلبه.
في الوقت الذي كان المطرب الملقب بصوت النيل، يحاول للتعبير عن موهبته وإشباعها، كان المخرج هنري بركات يبحث عن وجه وصوت شاب ليشارك سعاد حسني بطولة فيلم "حسن ونعيمة"، ونصحه أحد الأصدقاء بالاستماع إلى محرم فؤاد، الذي وجد فيه كل المواصفات التي يرغب فيها لتجسيد دور البطولة، من عذوبة الصوت ووسامة الملامح والوجه ذو الملامح المصرية الخالصة.
بالفعل وقع الاختيار على محرم فؤاد من المخرج هنري بركات، وسط ترحيب من المنتج وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي رأى بحسه الفني في الصوت الجديد موهبة تستحق منحها الفرصة، وحقق الفيلم الصادر عام 1959 نجاحًا كبيرًا.
خرج جمهور السينما من فيلم "حسن ونعيمة"، يردد أغنياته وأبرزها "رمش عينه"، "الحلوة داير شباكها"، كلمات مرسي جميل عزيز وألحان محمد الموجي، لتتسع جماهيرية محرم فؤاد وتغادر الموالد والأفراح الشعبية والأماكن البسيطة التي كان يغني فيها إلى فضاء أوسع وجمهور أكبر.
حافظ محرم فؤاد على النجاح الذي حققه وتعاون مع مؤلفين وملحنين بارزين منهم بليغ حمدي، حسين السيد، سمير الطائر، محمد حمزة، منير مراد، محمد علي سليمان، رياض السنباطي، عبدالوهاب محمد، وأيضًا فريد الأطرش، وتألق في أغنيات عاشت كثيرًا في قلوب محبيه ومنها "يا غزال إسكندراني"، "معرفتش تحبني"، "نكيد العزال"، "غدارين"، "كله ماشي"، مسا التماسي"، "اوعى يا قلبي"، "أجمل صباح عندي".
رافق ذلك النجاح في مجال الغناء، تألق مماثل عبر أفلام سينمائية بلغت 14عملًا أبرزها "لحن السعادة"، "وداعا يا حب"، "الصبا والجمال"، كما قدم على خشبة المسرح عملين هما "دنيا البيانولا" و"القشاط".
محرم فؤاد الذي وجد في الموسيقى والغناء وسيلة للتعبير عن مشاعره وصديقًا يعبر له عن أحزانه، يميز الكثير منها طابعها المصري بمفردات "ابن البلد" وبموسيقى شرقية أصيلة، حتى غادر عالمنا في عام 2002، تاركًا رصيدًا غنائيًا بلغ نحو 900 أغنية.