قضت المحكمة العليا الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، بتجنيد اليهود المتشددين "الحريديم" في جيش الاحتلال، في قرار قد يؤدي إلى انهيار الائتلاف الحاكم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقالت المحكمة العليا إن إسرائيل ملزمة بتجنيد طلاب المدارس الدينية المتزمتين في الجيش، في ظل غياب إطار قانوني يسمح بالتمييز بين طلاب المدارس الدينية والمخصصين للخدمة العسكرية، مشددة على أنه "لا يحق للدولة أن تأمر بالتجنب الشامل لتجنيدهم، وعليها أن تتصرف وفقًا لأحكام قانون جهاز الأمن".
وأكدت أنه "في غياب إطار قانوني للإعفاء من التجنيد، لا يمكن الاستمرار في تحويل أموال الدعم إلى المدارس الدينية وحرمان الطلاب الذين لم يحصلوا على إعفاء أو الذين لم يتم تأجيل خدمتهم العسكرية".
وكتب الرئيس الأعلى للمحكمة، عوزي فوجلمان، في القرار أنه "يجب على الدولة أن تعمل على تطبيق أحكام قانون الخدمة العسكرية على طلاب المدارس الدينية"، مؤكدًا أن "السلطة التنفيذية لا تملك صلاحية الأمر بعدم تطبيق قانون الخدمة على طلاب المدارس الدينية في غياب إطار تشريعي مناسب".
وحسب فوجلمان فإن "الاستنتاج الحتمي هو أن سلوك الدولة كان انتهاكًا للقانون"، مشيرًا إلى أن "صعوبة هذا الوضع تتفاقم في ظل الحرب المستمرة التي تجد دولة إسرائيل نفسها فيها، والتي تتمثل في احتياجات الجيش للقوة البشرية اللازمة للقيام بمهامه الحيوية".
وكشف أنه "وفقًا للبيانات التي قدمتها الدولة، بلغ عدد طلاب المدارس الدينية الذين لم يلتحقوا بالخدمة في نهاية يونيو 2023 حوالي 63 ألفًا"، مؤكدًا أن "عدم تطبيق أحكام قانون الخدمة الأمنية يخلق تمييزًا شديدًا بين المكلفين بالخدمة، والذين لم يتم اتخاذ أي إجراءات لتجنيدهم".
وأضاف: "في هذه الأيام، وفي خضم حرب ضروس، أصبح عبء عدم المساواة أشد من أي وقت مضى، ويتطلب إيجاد حل مستدام لهذه القضية".
يأتي هذا بينما يرفض اليهود المتشددون التجنيد الإجباري، ويطالبون بالحق في الدراسة بالمعاهد اللاهوتية بدلًا من الخدمة بالزي العسكري طوال السنوات الثلاث.
إلا أن هذه المطالبة فتحت الباب أمام موضوع قديم جديد طالما راوغ فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واعتبره مراقبون مناورة سياسية لا أكثر لإرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وخلق تجنيد "الحريديم" المتشددين أزمة داخل إسرائيل، فالدعوات لإجبارهم على الانضمام لصفوف جيش الاحتلال، فجرت مشكلة لنتنياهو الذي طالب بتأجيل تنفيذ قرار التجنيد، بينما تمسكت الأحزاب الدينية بعدم تنفيذ القانون، وهددت بسحب الثقة من حكومته.
يذكر أنه منذ 2017، فشلت الحكومات المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد "الحريديم"، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانونا شُرّع عام 2015 وقضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمس بـ"مبدأ المساواة".
ومنذ ذلك الحين، دأب الكنيست على تمديد إعفائهم من الخدمة العسكرية، ومع نهاية مارس الماضي، انتهى سريان أمر أصدرته حكومة نتنياهو بتأجيل تطبيق التجنيد الإلزامي لـ"الحريديم".
وفي 11 يونيو الجاري، صوت الكنيست لصالح استمرار العمل بقانون التجنيد، الذي تم طرحه في البرلمان السابق، ويعفي شباب الحريديم من الخدمة العسكرية.
ويعتمد ائتلاف نتنياهو لبقائه على اليمين المتطرف الذي يعتقد بعدم وجوب تجنيد الحريديم، وأن ذلك ما سيحافظ على ناخبيه.
ويرى "الحريديم" أن لهم الحق في الدراسة بدلًا من الخدمة العسكرية المعتادة ومدتها 3 سنوات. ويُلزم القانون معظم المواطنين الإسرائيليين بالخدمة في جيش الاحتلال على عكس طلاب المدارس الدينية اليهودية الذي يتم إعفاؤهم منها منذ عقود.
ويقول البعض إن التزامهم العقائدي يتعارض مع الأعراف العسكرية، بينما يقول البعض الآخر إن الأمر متعارض أيديولوجيًا مع دولة ليبرالية.
ويشكل اليهود المتشددون دينيًا 13 بالمئة من سكان إسرائيل، وهي نسبة من المتوقع أن تصل إلى 19 بالمئة بحلول 2035، بسبب ارتفاع معدلات المواليد بينهم، وفق "رويترز".
وفي أول ردود الفعل على قرار المحكمة العليا، اعتبر رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيجدور ليبرمان، أن قرار تجنيد الحريديم خطوة مهمة وتغيير تاريخي.
وقال ليبرمان إن الجيش الإسرائيلي "يحتاج لقوة بشرية، بعدما فقد لواءً كاملًا من الجنود سقطوا بمعارك غزة أو أُصيبوا بجروح خطيرة".
وسبق أن انتقد زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لابيد، طائفة الحريديم، قائلًا إن العديد منهم لا يعملون، وسيجدون صعوبة في التكيّف مع الحياة خارج إسرائيل.
وجاءت تصريحات لابيد، ردًا على إعلان الحاخام الأكبر لليهود السفارديم يتسحاق يوسف، أن الحريديم سوف يغادرون إلى الخارج إذا تم تجنيدهم قسرًا في الجيش.