أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ضرورة إنهاء حالة الفراغ الرئاسي في لبنان، وانتخاب رئيس جديد للبلد، الذي يواجه أزمة اقتصادية خانقة.
في كلمته أمام منتدى الاقتصاد العربي، الذي يحمل عنوان: "لبنان: الطريق إلى النفط"، المنعقد في بيروت، رهن أبو الغيط تحقيق الانطلاق الاقتصادي في لبنان، بكسر الانسداد السياسي. وقال إن لبنان لا يتحمل شغورًا رئاسيًا يطول أمده، كما لا يتحمل وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي هذا الفراغ الذي يزعزع الثقة بدلًا من تعزيزها، ويؤثر سلبًا في فرص التعافي الاقتصادي.
ناشد الأمين العام مختلف القيادات السياسية اللبنانية بالالتفات إلى خطورة اللحظة التي يمر بها البلد وسط ظرف دولي مضطرب يفرض على المجتمع الدولي قائمة أولوياتٍ مزدحمة، مشيرًا إلى أن هذا الظرف ذاته يفرض على الفرقاء تجاوز كل الانقسامات واحتوائها، ويحتم على الجميع وضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار.
دعا أبو الغيط إلى الإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة ومباشرة بين جميع القوى والتيارات السياسية، مؤكدا استعداد الجامعة العربية للقيام بما يطلب منها في هذا الصدد، محذرًا من أن انسداد الحوار واستسهال التمترس خلف المواقف لتمرير الوقت، لا يُمثل استراتيجية ناجعة لمعالجة الانسداد القائم.
اعتبر الأمين العام أن الحفاظ على السلم الأهلي والأمن في لبنان واجبٌ على كل لبناني في هذه الظروف الدقيقة ويظل دور الجيش، كمؤسسة وطنية جامعة، محوريًا في صيانة أمن هذا البلد، ويظل اتفاق الطائف عقدًا وطنيًا لا غِنى عنه للاستقرار، وسياجًا حاميًا للسلم الأهلي في لبنان بكل مكوناته وطوائفه.
لبنان.. الطريق إلى النفط
لفت أبو الغيط إلى أن منتدى الاقتصاد العربي "لبنان: الطريق إلى النفط"، يكتسب أهميته من حجم التحديات الراهنة التي تواجه لبنان، والآمال المعقودة على خطواته القادمة على مسار الإصلاح الاقتصادي والمالي، خاصة بعد نجاحه في التوصل لاتفاق حول ترسيم حدوده البحرية الجنوبية في لبنان، بما يسمح له باستغلال ثرواته الطبيعية، وزيادة دخله القومي بإضافة موارد جديدة يُمكن أن تسهم على نحو فعّال في تلبية طموحات الشعب، خاصة إذا أُحسنت إدارتها.
أضاف الأمين العام أن لبنان ما زال أسيرًا لدائرة حزينة من المعاناة والألم من جانب، والتدهور الاقتصادي والجمود السياسي من جانب آخر، والجانبان يرتبطان برباطٍ وثيق، كما صار واضحًا للجميع، فتحقيق الانطلاق الاقتصادي مرهون بكسر الانسداد السياسي.
أعرب أبو الغيط عن ثقته في اللبنانيين، الذين طالما أبهروا العالم بقدراتهم الفريدة وإمكاناتهم الهائلة في التغلب على المحن، مؤكدًا أنهم قادرون على طي هذه الصفحة المؤلمة، وتجاوز الأزمة الحالية مهما استحكمت حلقاتها.
الصعوبات الاقتصادية في لبنان
ليست الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها لبنان بخافية على أحد، بحسب الأمين العام، فآثارها واضحة للعيان، وتبعاتها الاجتماعية والإنسانية والأمنية تُثير القلق الشديد، في ظل تدهور خطير في الناتج المحلي الإجمالي، وفي قيمة العملة، وأغلبية الشعب اللبناني تناضل لكيلا تسقط في هوة الفقر، ومعدل البطالة يلامس 30%، أي أن نحو ثلث قوة العمل مُعطلة، والصعوبات المعيشية تدفع بأفضل العقول الشابة إلى الهجرة بحثًا عن الفرصة في مكان آخر.
اعتبر أن هجرة العقول تبدو أكثر الأمور المقلقة، إذ تبقى ثروة لبنان الحقيقية، وبصرف النظر عن المصادر الجديدة من الوقود الأحفوري، تظل كامنة في شعبه، وفي عقوله الشابة المُبدعة والمبادِرة، رغم كامل الاقتناع بأهمية دور الاغتراب اللبناني في دعم مسيرة الوطن، وتعزيز حيويته الاقتصادية.
الإصلاح ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل
أوضح الأمين العام أن الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من الأزمة لم تعد بخافية على أحد، والإصلاح لم يعد خيارًا، وإنما ضرورة مُلحة لا تقبل التأجيل، في ضوء تفاقم أزمتي الغذاء والطاقة، وما يشهده الاقتصاد العالمي من انجراف متسارع نحو الركود التضخمي، إذ زادت الأزمات من صعوبة الوضع في لبنان؛ وهي باعث قوي للإسراع بالإصلاح.
يرى أبو الغيط أن الخطوة الأولى هي الإصلاح لكي يصل "الطريق إلى النفط" إلى غايته المنشودة، من الانتعاش الاقتصادي والازدهار، وبالتالي تبقى الحاجة مُلحةً إلى العمل الجاد على صعيد إصلاح النظام المالي والمصرفي وهيكلة الدين العام، بما يمكن من استعادة الثقة في النظام المصرفي، والحفاظ على حقوق المودعين خاصة أصحاب الودائع الصغيرة، ووقف الانهيار في قيمة العملة المحلية.
يبقى من الضروري استكمال بنود الاتفاق الأولي الذي تم التوصل إليه مع صندوق النقد الدولي، بحسب أبو الغيط، عبر إقرار القوانين اللازمة تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق نهائي يسهم في تحقيق التعافي الاقتصادي، ويفتح الطريق أمام تدفق أكبر للمساعدات الدولية.
وجوهر الإصلاح، من وجهة نظر الأمين العام، تتجسد في الثقة سواء من المستثمرين أو الداعمين من الأشقاء والأصدقاء في الإقليم وخارجه، وقبل ذلك كله ثقة الشعب اللبناني ذاته في الحكومة والقيادات السياسية، وفي عزمها على السير في طريق الإصلاح إلى غايته، وهنا فإن الجميع يدرك ما تنطوي عليه الأوضاع السياسية والدستورية من أهمية كبرى في استعادة الثقة، ومن ثم الخروج من الأزمة.