رغم أن شعار حملة البرلمان الأوروبي لانتخابات الاتحاد المقبلة هو "استخدم صوتك، وإلا سيقرر الآخرون نيابةً عنك"؛ إلا أن هناك ما يقرب من نصف مليون شخص "عديمي الجنسية" في الاتحاد الأوروبي، ما يجعلهم غير قادرين على التصويت، حتى لو أرادوا ذلك.
ويعيش أكثر من نصف هذا العدد في دول البلطيق مثل لاتفيا وإستونيا، وفقًا لبيانات المفوضية الأممية للاجئين.
في إستونيا، هناك 61 ألف شخص لديهم ما يسمى بـ "الجنسية غير المحددة"، والذين يشكلون ما يقرب من 4.5% من السكان.
وفي لاتفيا، هناك 175 ألف شخص يتمتعون بوضع "غير مواطن"، وفقًا لمجلس الإحصاء المركزي في البلاد، وهو ما يشكل 9% من السكان، والذين هاجرت الغالبية العظمى منهم للعمل خلال الحقبة السوفيتية.
انعدام الجنسية
عندما حصلت لاتفيا وإستونيا على استقلالهما عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991، لم يحصل المواطنون الذين استقروا في أي من البلدين بين عامي 1940 و1991 على الجنسية تلقائيًا. ومع ذلك، منحت روسيا الجنسية لأي مواطن سابق في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية بناءً على طلبها.
والآن في لاتفيا، لا يتمتع غير المواطنين بحقوق التصويت على الإطلاق. وفي إستونيا، يمكنهم التصويت على المستوى المحلي، على الرغم من أن الحكومة قدمت أخيرًا مشروع قانون من شأنه أن يحرمهم من هذه الحقوق أيضًا.
ووفقًا لموقع وزارة الخارجية في لاتفيا "لا يمكن اعتبار غير المواطنين عديمي الجنسية"، وذلك لأنهم يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها مواطنو لاتفيا، باستثناء "الحق في التصويت والعمل في الخدمة المدنية أو شغل المناصب المرتبطة مباشرة بالأمن القومي"، في إستونيا، يعد انعدام الجنسية خيارًا شخصيًا لهؤلاء الأشخاص.
ونقلت النسخة الأوروبية لصحيفة "بوليتيكو" عن سيري ليسكوف، مستشار وزارة الداخلية الإستونية، إن بلاده تدعم بشدة فكرة أن يصبح غير المواطنين مواطنين "ويسعدنا أن نراهم يشاركون في انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي بمجرد أن يصبحوا مواطنين إستونيين".
أما ليتوانيا، فقد منحت الجنسية تلقائيًا لكل شخص في البلاد وقت الاستقلال؛ لذلك ليس لديها أي أشخاص غير مواطنين.
غير مواطن
في حين تزعم حكومتا لاتفيا وإستونيا أن الأقليات المعنية ليست عديمة الجنسية، فقد خلصت المفوضية الأوروبية في عام 2017، إلى أن قرار لاتفيا وإستونيا بعدم توسيع حق التصويت في الانتخابات الأوروبية لغير المواطنين لا يشكل تمييزًا.
وتصاعدت التوترات بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث شنت إستونيا ولاتفيا حملة قمع على الأقليات الناطقة بالروسية، واتخذتا خطوات مثل إزالة الآثار السوفيتية، وإجبار المواطنين المسنين على إجراء اختبار اللغة لتجنب الطرد، وحظر المحتوى الروسي في محطات البث العامة.
ووفقًا لعضو البرلمان الأوروبي اللاتفي، نيلس أوساكوف، وهو نفسه غير مواطن سابق، فقد أدت هذه التحركات إلى زيادة التوترات بين الأغلبية الناطقة باللغة اللاتفية والأقلية الناطقة بالروسية.
ونقلت "بوليتيكو" عن أوساكوفز، الذي خاض عملية الحصول على الجنسية، والمعروفة باسم التجنس: "إن الوضع بالنسبة للمتحدثين بالروسية -وليس فقط غير المواطنين- أسوأ قليلًا بعد بداية الحرب".
وفي حين أن العديد من غير المواطنين يتحدثون الروسية، فإن المجموعة متنوعة وتضم أشخاصًا من خلفيات روسية وأوكرانية وبيلاروسية وغيرهم. لكن ما يربطهم هو العزلة.
وأشار أحدهم، وهو "غير مواطن" ولد في لاتفيا ويعمل مع آخرين في نفس الوضع لتحسين حقوقهم، إلى أن الكثير من الناس يصنّفونهم باعتبارهم روسًا "وهذا أمر خطير للغاية في الواقع، لأنه إذا وافقت روسيا على أننا روس، فستكون لديك مشكلة أكثر خطورة".
ووفقًا للعالم السياسي ماريس أندانز، من مركز الدراسات الجيوسياسية في ريجا، فإن أحد أسباب عدم منح الجنسية التلقائية وحقوق التصويت لغير المواطنين، هو تقليل عدد الأشخاص الذين يصوتون للأحزاب الموالية لروسيا.
وقال: "لأكون صريحًا، لولا وضع غير المواطنين، لكانت لاتفيا جزءًا من روسيا الآن. لو مُنح جميع الأشخاص الذين كانوا يعيشون في لاتفيا في بداية التسعينيات الجنسية، أنا واثق تمامًا من أن لاتفيا كانت ستحصل على الجنسية".
ووفقًا لأندانز، فإن عدم الجنسية هو "مسألة تتعلق بالأمن القومي، وأيضًا مسألة فخر وطني؛ لأنه من السهل جدًا الحصول على الجنسية".
وبينما يتطلب التجنس معرفة اللغة وتاريخ البلاد، لكن العديد من غير المواطنين يرفضون المضي في هذه العملية كمسألة مبدأ. كما تتناقص نسبة غير المواطنين في كلا البلدين بشكل طبيعي، حيث إن معظمهم من كبار السن.
وانخفض عدد هؤلاء من نحو 300 ألف عام 2011 إلى 175 ألفًا العام الحالي في لاتفيا، ومن 86 ألفًا عام 2011 إلى 66 ألفًا عام 2021 في إستونيا.