في حواره مع مجلة "تايم" الأمريكية، الذي تصدر عنوانه "ماذا لو فاز؟" غلاف عدد شهر يونيو؛ تناول الرئيس الأمريكي جو بايدن، عددًا من القضايا الأكثر بروزًا وخلافية على الساحة الدولية. أهمها الحرب الروسية الأوكرانية، وصراع الوجود العالمي في شرق آسيا والتفاوض مع الصين، ومصير التحالف الأمريكي عبر الأطلسي.
لكن، جاءت أبرز نقاط الحوار حول العدوان على قطاع غزة، حيث رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تكلفة التزام بايدن تجاه إسرائيل عند كل منعطف. خاصة بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو ووزير دفاعه بارتكاب جرائم حرب، وكذلك أمر محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف العمليات في غزة.
وخلال الحديث، الذي شهد نسيان الرئيس الأمريكي مكان رئيس المخابرات الأمريكية وليام بيرنز (كان منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الاستراتيجية جون كيربي هو من أخبره أنه عاد من بروكسل) حاول بايدن استمرار إلقاء اللوم على حركة حماس في عدم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار دائم يُنهي العدوان.
وردًا على سؤال عما إذا كانت القوات الإسرائيلية ارتكبت جرائم حرب في غزة، قال بايدن: "إنه أمر غير مؤكد"، رغم معرفة إدارته أن إسرائيل تتخطى حدود الحرب القانونية، حسبما ذكرت صحيفة" واشنطن بوست" وغيرها.
وفيما يقول بعض المقربين من بايدن، فإن العائق الوحيد أمام الاتفاق الأوسع بشأن إنهاء العدوان هو نتنياهو نفسه، ويرفض الرئيس الأمريكي أن يقول ذلك؛ لكن عندما سألته مجلة "تايم" عما إذا كان نتنياهو يطيل أمد الحرب لأسباب سياسية خاصة به، اعترف بايدن قائلاً: "هناك كل الأسباب التي تجعل الناس يتوصلون إلى هذا الاستنتاج".
وردًا على سؤال حول ما إذا فاز بايدن -الذي غضب من الإشارة إلى خوضه الانتخابات للمرة الثانية رغم تقدم عمره- في نوفمبر المقبل، بمواصلة نهجه في السياسة الخارجية؛ أشار إلى رغبته في إنهاء ما بدأه خلال ولايته الأولى.
وقال: "تلقيت مكالمة من كيسنجر قبل نحو 10 أيام من وفاته. واستخدم التعليق التالي. قال إنه منذ نابليون لم تنظر أوروبا إلى فوق كتفها في خوف مما قد تفعله روسيا، حتى الآن".
وأضاف: "لدينا فرصة لأن تكون القرارات التي اتخذناها في العامين الماضيين، وسنتخذها في السنوات الأربع المقبلة، هي التي ستحدد مستقبل أوروبا لفترة طويلة مقبلة. ولهذا السبب لا يمكننا أن نسمح لحلف شمال الأطلسي بالفشل، بل يتعين علينا أن نبنيه سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ونستثمره بشكل كبير".
القوة الأولى
في بداية المقابلة، هاجم بايدن سلفه ومنافسه الجمهوري دونالد ترامب. فبينما يؤكد أن أمريكا لا تزال القوة العالمية الأولى، يرى أن ترامب أورثه همًا ثقيلًا بشأن حلفاء واشنطن في جميع أنحاء العالم.
يقول: "نعم، ما ورثته، نتيجة الخطأ الذي ارتكبناه في أفغانستان، لم يكن خسارة في أفغانستان، لدي وجهة نظر مختلفة جذريًا عن وجهة نظر ترامب بشأن مجموعة من الأشياء. أولها أنني أعتقد أن لدينا تحالفات قائمة على القيم، وكذلك على أساس عملي في جميع أنحاء العالم. وأراد ترامب أن يتخلى عنهم".
وأضاف: "إنه -ترامب- يقول إنه عملي، لكنه يفعل أشياء فردية".
وأشار إلى اتهام نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لسلفه بأنه "يريد تفكيك الناتو"، وأن الرئيس الفرنسي أشار عام 2019 إلى أن ترامب "يعتقد أن الناتو عديم الفائدة". ولذلك "علينا أن نعيد التفكير في علاقتنا بأكملها مع الولايات المتحدة، فهي لم تعد تقود العالم".
وأضاف بايدن أن "الجزء المثير للاهتمام، هو أن مستشاره السابق جون بولتون يقول إنه متأكد من أن أول شيء سيفعله ترامب إذا أعيد انتخابه، هو الخروج من الناتو بالكامل".
وعلى عكس رؤية ترامب، زعم بايدن أن حلف شمال الأطلسي "أصبح أقوى بكثير مما كان عليه عندما توليت منصبي".
وقال: "لقد وضعتها معًا. لم أقم فقط بإعادة تأسيس حقيقة أنه كان أقوى تحالف في تاريخ العالم، بل تمكنت من توسيعه. أنا فعلت هذا. ونحن الآن أقوى أمة. لدينا أقوى تحالف في أمريكا كلها، في التاريخ كله".
العدوان على غزة
عندما انتقل الحوار إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سأل المحاوران بايدن عما إذا كان نتنياهو قد تجاوز "الخط الأحمر" في رفح الفلسطينية؛ رفض بايدن الحديث عن الأمر. مُبررًا ذلك بأنه لا يزال يواصل جهوده.
وأشار الرئيس الأمريكي إلى أنه لم يتحدث شخصيًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية، الأحد الماضي. لكنه عندما رد على سؤال "هل ارتكبت القوات الإسرائيلية جرائم حرب في غزة؟"، نفى أن إدارته قد تأكدت من هذا.. "إنه أمر يتم التحقيق فيه من قبل الإسرائيليين أنفسهم"، حسب تعبيره.
وقال بايدن: "إن المحكمة الجنائية الدولية شيء لا نعرفه، ولا نعترف به. لكن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا، هو أن الناس في غزة عانوا كثيرًا، بسبب نقص الغذاء والماء والدواء، وما إلى ذلك. وقد قُتل الكثير من الأبرياء".
كما ألقى الرئيس الأمريكي اللوم على ما وصفه بـ"ما تفعله حماس في إسرائيل بينما نتحدث الآن".
وردد بايدن المزاعم الإسرائيلية حول عملية "طوفان الأقصى"، التي تزعم ارتكاب حركة حماس انتهاكات بحق المدنيين الإسرائيليين.
وحول المحتجزين الأمريكيين الثمانية في غزة، لفت إلى اعتقاد إدارته بأن بعضهم "لا يزالوا على قيد الحياة". وقال: "لقد التقيت بجميع العائلات. لكن ليس لدينا دليل نهائي على من هو على قيد الحياة ومن ليس كذلك".
وأضاف: "لهذا السبب فإننا نضغط بشدة من أجل تبادل المحتجزين".
ثم تساءل: "هل رئيس استخباراتنا موجود؟ أين هو الآن؟". فأجابه كيربي: "لقد عاد يا سيدي. لقد كان في أوروبا، في بروكسل، خلال عطلة نهاية الأسبوع".
لوم حماس
ردًا على سؤال حول المسؤول عن عدم تنفيذ صفقة تبادل المحتجزين ووقف إطلاق النار. أهي حماس أم إسرائيل أم كلاهما؟ فضّل بايدن إلقاء اللوم على الحركة بكلمة واحدة: "حماس".
وقال: "من الممكن أن تنهي حماس هذا الأمر غدًا. والعرض الأخير الذي قدمته إسرائيل كان سخيًا للغاية فيما يتعلق بمن يرغبون في إطلاق سراحهم، وما الذي سيقدمونه في المقابل، وما إلى ذلك".
وأضاف: "يتعرض بيبي (بنيامين نتنياهو) لضغوط هائلة بسبب المحتجزين، ولذا فهو مستعد لفعل أي شيء لاستعادتهم".
ورغم التقارير الأممية المتعددة، نفى الرئيس الأمريكي أن إسرائيل تستخدم عمدًا تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب. كما رفض التعليق على القول إن نتنياهو يعمل على إطالة أمد الحرب من أجل الحفاظ على نفسه سياسيًا، لكنه لم ينف "الأسباب التي تجعل الناس يتوصلون إلى هذا الاستنتاج".
وقال: "أود أن أشير إلى أنه، قبل بدء الحرب، كان رد الفعل السلبي الذي كان يتلقاه من الجيش الإسرائيلي لرغبته في تغيير الدستور وصلاحيات المحكمة. وبالتالي، فهو جدل داخلي يبدو أنه ليس له أي نتيجة. ومن الصعب القول ما إذا كان سيغير موقفه أم لا، لكن ذلك لم يكن مفيدًا".
ووسط الخلاف بينهما، لم يؤيد بايدن خصمه الجمهوري دونالد ترامب في انتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، حول تحمله مسؤولية الفشل الذريع الذي نتج عنه عملية "طوفان الأقصى". بل تحدث عن خلافه مع زعيم الليكود حول اليوم التالي للعدوان على غزة.
ولفت بايدن أنه تحدث مع اللاعبين الفاعلين في المنطقة، مصر والأردن والسعودية والإمارات. مؤكدًا أن الوجود الإسرائيلي في غزة بعد العدوان "أمر لن ينجح".
وقال: "يجب أن يكون هناك حل الدولتين، يجب الانتقال إلى حل الدولتين. وهذا هو خلافي الأكبر مع بيبي (نتنياهو)".
وبخلاف بيبي، الوحيد الذي يقف في طريق حل الدولتين، أوضح بايدن أنه لا يزال بصدد التفاوض "أعتقد أن هناك طريقًا واضحًا للانتقال، حيث توفر الدول العربية الأمن وإعادة الإعمار في غزة، مقابل التزام طويل الأمد بالانتقال إلى حل الدولتين".