شكّل الموسيقار عمر خيرت، ثقافة مغايرة في المجتمعين المصري والعربي، تبرز ملامحها الأساسية في ذهاب الجمهور إلى حفلاته، التي ترفع حيثما كانت لافتة كامل العدد، ليستمتعوا بليلة موسيقية ساحرة، من شأنها أن تؤثر على مزاج الفرد وتنقله إلى أجواء ساحرة.
عمر خيرت الذي يحتفل هذه الأيام بـ40 عامًا على انطلاق إبداعه الفني، يتميز بأنه جعل الجمهور العربي يذهب إلى حفلاته لسماع الموسيقى فقط، في مشهد ابتكره وقاعدة أنشأها، حسبما يقول عنه في لقاء تليفزيوني علي الحجار أحد أبرز المطربين الذين تعاونوا مع الموسيقار في أغنياته عدة، منها "غوايش" و"اللقاء الثاني".
علي الحجار الذي يصفه "خيرت" بأنه الصوت المحبب له، أشار في اللقاء الإعلامي إلى تأثير صاحب موسيقى "العرافة والعطور الساحرة" في مصر والوطن العربي وعالميًا أيضًا، موضحًا أنه صنع موسيقى بروح شرقية وصلت إلى العالمية، لتُسمع في مشارق الأرض ومغاربها.
ذلك التأثير الذي صنعه عمر خيرت في المجتمعين العربي والعالمي وخطوط الاتصال التي مدّ جسورها إلى الجمهور بمختلف الأنحاء، يعد ترجمة لحبه البالغ إلى الموسيقى، والذي ورثه من بيتٍ محبٍ للفنون بشكل عام والموسيقى بشكل خاص، إذ إن جده هو محمود عبد الرحيم خيرت، المحامي المهتم بالشعر والأدب والرسم والموسيقى، والذي كان منزله في حي السيدة زينب الشعبي الشهير بالقاهرة، بمثابة صالون أو منتدى ثقافي يجمع نخبة من رموز الفن والثقافة، منهم سيد درويش ومحمود مختار.
حول تأثير هذه النشأة في عائلة فنية، قال الموسيقار الذي وُلد عام 1948 في لقاء تلفزيوني: لم أعاصر هذا الصالون الثقافي، لكني سمعت الكثير من الحكايات من والدي علي خيرت، وأيضًا قرأت الكثير مما كُتب عن جدي، فعائلتي كانت تهتم بالفنون، رغم أن البعض لم يعمل بها، كما أن عمي المهندس المعماري أبو بكر خيرت هو مؤسس المعهد العالي للموسيقى (الكونسرفتوار)، ورائد الموسيقي السيمفونية في مصر".
المنزل الذي تربي فيه عمر خيرت ويصفه بالمنارة الفنية، أثر في وجدانه بشكل كبير، وشكّل رافدًا مهمًا لتغذية وجدانه بحب الموسيقى، خصوصًا أنه التحق بالمعهد الذي أسسه عمه أبو بكر خيرت، وتعلم العزف على البيانو، ودرس نظريات الموسيقى، وشعر برغبة في التغيير والتمرد على الطرق الكلاسيكية القديمة وطموح نحو التحرر، حسبما قال عن تجربته في تصريحات إعلامية.
الموسيقار الذي اختار وصف المتمرد في كتابه الذي يحكي سيرته الذاتية "المتمرد.. سيرة حياة عمر خيرت"، حرص على ألا يكرر سابقيه ويقدم تجربته الخاصة، وبدأ مشواره بالانضمام إلى فرقة الروك الشهيرة في الستينيات Les petits chats، رفقة الراحل عزت أبو عوف ووجدي فرانسيس وعدد من الفنانين، وتميزت في تقديم الأغنيات الأجنبية الشهيرة بطابع شرقي ومصري، ثم انطلق الموسيقار وتميز في تقديم العديد من الألحان والمقطوعات الموسيقية، ووضع بصمته على الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام.
لا تخطئ أذن المستمع العربي في تمييز موسيقى عمر خيرت وأعماله، ومنها "ليلة القبض على فاطمة"، و"قضية عم أحمد"، و"رابسودية عربي"، و"خادمة"، و"البخيل وأنا"، مازجًا في هذه المقطوعات بين الآلات الشرقية والغربية، ليستمتع الجمهور بنغمات البيانو والأبوا، وهي تجاور العود والأكورديون الشرقي والقانون، ما أسهم في أن تكتسب موسيقاه صبغة خاصة، نقلت الأوركسترا من جدران النخبة والمثقفين إلى فضاء البسطاء، وأصبح لها ظهير شعبي ساعد على بقائها وانتشارها.