في العاشر من يونيو المقبل، أي اليوم التالي لانتخابات الاتحاد الأوروبي، تبدأ المعركة الحقيقية بين أحزاب الكتلة التي لم تعد متماسكة للغاية، كما أوضحت الصراعات الجارية، إذ سيتم توزيع المناصب الأربعة العليا في أوروبا، إضافة إلى عشرات الجوائز الأصغر بين التكتلات السياسية الرئيسية.
وسيتعين على رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين أن يتوصلوا إلى اتفاق بشأن الرؤساء المقبلين للمفوضية الأوروبية، والمجلس الأوروبي، والبرلمان الأوروبي، فضلًا عن رئيس السياسة الخارجية المقبل للاتحاد.
ومنذ أشهر، ظلت المناورات السياسية والتكهنات بشأن المناصب العليا مستمرة خلف الكواليس، خاصة أن الارتفاع المتوقع لليمين المتطرف يبدو أنه سيخلط بين ديناميكيات السلطة التقليدية.
وبينما سوف يحدد الزعماء البوصلة السياسية للكتلة الأوروبية حتى عام 2029، يستعد البعض للخروج خالي الوفاض، ليكشف عن مركز القوة في الاتحاد الأوروبي الجديد.
عرش بروكسل
وأشار تحليل لصحيفة "بوليتيكو" في نسختها الأوروبية إلى أنه إذا ظل حزب "الشعب" الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط -أكبر مجموعة في البرلمان الأوروبي- فسوف يشعر بالجرأة لاقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية الحالية، أورسولا فون دير لاين، لولاية ثانية.
وقال التحليل: "في معظم الانتخابات الوطنية، لا يصبح عدد المقاعد لكل حزب واضحًا إلا عندما نحصل على النتائج النهائية.. في البرلمان الأوروبي، لا يصبح أعضاء البرلمان الأوروبي رسميًا جزءًا من تجمع سياسي لعموم أوروبا إلا بعد أن تجتمع المجموعات جميعًا وتتفق رسميًا على عضويتها".
أضاف: "وفي الأسابيع القليلة الأولى بعد الانتخابات، سيكون البرلمان منشغلاً بعقد الصفقات، إذ تحاول المجموعات ابتلاع الأحزاب الوطنية، وإقناعها بجوائز صغيرة، مثل مناصب منسقي اللجان المؤثرين".
ومن المرجح أن تعقد رئيسة البرلمان المنتهية ولايتها، المالطية روبرتا ميتسولا -والتي تتطلع إلى فترة ولاية ثانية مدتها عامين ونصف العام- اجتماعًا لقادة المجموعة السياسية الحالية في 11 يونيو لتقييم النتائج.
وبمجرد ظهور اسم من المجلس، ستتفاوض المجموعات لإدراج سياساتها المفضلة في جدول عمل المفوضية، وتهدد بعدم دعمها إذا لم توافق على ذلك.
وفي الاجتماعات الأولى للمجموعة المقرر عقدها في الفترة من 18 يونيو إلى 3 يوليو، ستقوم المجموعات أيضًا بانتخاب قادتها الجدد، مع ظهور التركيبة السياسية الجديدة للبرلمان. ومع ذلك، يمكن تشكيل مجموعات جديدة في أي وقت.
وبمجرد أن يحصل رئيس المفوضية الأوروبية الجديد على دعم البرلمان الأوروبي، فإنه يرأس فريقًا انتقاليًا لتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة، إذ تحصل كل دولة على حقيبة، والأمر متروك للعواصم الأوروبية لترشيح مفوضيها.
وفي المرة الأخيرة، طلبت "فون دير لاين" من كل دولة تقديم مرشحيْن، رجل وامرأة. وإذا عادت لولاية ثانية، فيمكننا أن نتوقع نفس العملية.
ويتولى رئيس المفوضية السلطة في هذه العملية من خلال إنشاء الحقائب الوزارية وتقسيمها بين المفوضين، ويمكن توقع معركة شرسة لتحديد من يحصل على ماذا، وخاصة الحقائب الأكثر شهرة، مثل الدفاع والتجارة.
وسيتم تحديد بعض المفوضين مسبقًا، إذ سيطلب قادة الدول الأكثر نفوذًا، مثل فرنسا وإيطاليا، ضمانات من رئيس المفوضية الأوروبية مقابل دعمهم.
ويتولى أحد المفوضين الـ27 -الإسباني جوزيب بوريل حاليًا- منصب نائب رئيس المفوضية، وأيضًا الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ويجب أن يتم ترشيح بديله أولاً من قبل المجلس الأوروبي بالأغلبية المؤهلة، ثم يحتاج بعد ذلك إلى موافقة رئيس المفوضية.
المجلس الأوروبي
في17 يونيو، سيجتمع زعماء الاتحاد الأوروبي (رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني) على العشاء في قمة غير رسمية في بروكسل، وستكون هذه أول مناقشة رسمية حول هذا الموضوع، بقيادة ميشيل "الذي سيتم استبداله"، وفق التحليل.
قبلها، ستعقد الأحزاب السياسية اجتماعات داخلية مع قادتها للحديث عن الاستراتيجية القادمة، ثم التوجه إلى مبنى المجلس الأوروبي لتناول العشاء.
وأشار التحليل إلى أن "حزب الشعب" الأوروبي، الذي سيكون كبير مفاوضيه في المجلس، هما اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والبولندي دونالد تاسك -الذي ترأس نفس المفاوضات كرئيس للمجلس في عام 2019- سيُعيد تأكيد دعمه لفون دير لاين.
وبحلول نهاية يونيو، تأمل عواصم الاتحاد الأوروبي التوصل إلى اتفاق بشأن الوظائف العليا في هذه القمة.
وسوف تطالب كل من التكتلات السياسية الرئيسية، (حزب الشعب الأوروبي، والاشتراكيين، والليبراليين -الذين يمثلون كتلة تجديد أوروبا في البرلمان) بقطعة من الكعكة.
ويريد زعماء الاتحاد الأوروبي الاتفاق على جميع المناصب العليا في نفس الوقت، مع الأخذ في الاعتبار التوازن بين المجموعات السياسية المختلفة والتنوع الجغرافي والتوازن بين الجنسين.
ويتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين أن يتفقوا على رئيس للمفوضية بالأغلبية المؤهلة، وهي أغلبية الدول التي تمثل أغلبية سكان أوروبا، ولكن العائق أقل بالنسبة للمناصب الأخرى.
ومن الواضح أن "فون دير لاين" ستحظى بدعم كافٍ في البرلمان الأوروبي قبل الموافقة على بقية الحزمة، ومن أجل إعادة انتخابها، ستحتاج وزيرة الدفاع الألمانية السابقة إلى 361 من أصل 720 عضوًا في البرلمان الأوروبي لدعم فترتها الثانية.
وأوضح التحليل: "بالنظر إلى أنها -فون دير لاين- حصلت على أغلبية ضئيلة بتسعة أصوات في عام 2019، فهذا ليس بالأمر الهين، لأنها ستواجه هذه المرة -على الأرجح- فرقة يمينية متطرفة أكبر، إلى جانب كتلة خضراء أصغر".
وفي القمة، سيوقع الزعماء أيضًا على "الأجندة الاستراتيجية"، وهي وثيقة يتفق عليها زعماء الاتحاد الأوروبي كل خمس سنوات لتوضيح أهداف الكتلة للمفوضية الأوروبية المقبلة.
البرلمان الأوروبي
يبدأ البرلمان الأوروبي دورته الجديدة بمشاركة 720 نائبًا، وستكون أولويتهم الأولى هي التصويت على رئيسهم.
عادةً ما يكون هذا بمثابة تقسيم بين "حزب الشعب" الأوروبي، الذي تمثله عضوة البرلمان المالطية روبرتا ميتسولا -التي تجلس حاليًا على العرش- والاشتراكيين.
ومن المحتمل أن يتم التوصل إلى اتفاق مماثل هذه المرة، وربما يُسمَح لميتسولا بتمديد فترة ولايتها، مع تولي أحد أعضاء الاشتراكيين والديمقراطيين مهامها في عام 2026.
عند هذه النقطة، كان من المفترض أن تتوصل المجموعات السياسية في البرلمان الأوروبي إلى اتفاق معد مسبقًا، بشأن حزمة شاملة من الأدوار الداخلية، والتي تمتد على طول الطريق من نواب الرئيس إلى رؤساء اللجان؛ وهي نحو 100 دور متاح.
وينبغي أن يستند الاتفاق -على نطاق واسع- إلى حجم المجموعات السياسية التي تتبع نظام التمثيل النسبي. ومع ذلك، فإن السياسة لها دور، خاصة عندما يتعلق الأمر بفرض طوق أمني لمنع مجموعة "الهوية والديمقراطية" اليمينية المتطرفة من الحصول على مناصب رئيسية.
بعد ذلك، سيتعين على البرلمان تحديد موعد للتصويت لتأكيد مرشح المجلس الأوروبي لمنصب رئيس المفوضية.