نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية، عن مسؤولة أمريكية كبيرة استقالت من منصبها قبل بضعة أيام، أن الخارجية الأمريكية قامت بتزوير تقرير في وقت سابق من شهر مايو الجاري، لإعفاء إسرائيل من المسؤولية عن منع تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، الذي يتعرض لعدوان مدمر منذ نحو ثمانية شهور.
وتركت ستايسي جيلبرت منصبها كمسؤولة مكتب السكان واللاجئين والهجرة بوزارة الخارجية الأمريكية، الثلاثاء الماضي. وكانت ستايسى واحدة من خبراء الوزارة الذين قاموا بصياغة التقرير المنصوص عليه بموجب مذكرة الأمن القومي رقم 20 ونشرت في 10 مايو.
وخلص تقرير الخارجية الأمريكية إلى أنه "من المعقول تقييم" أن إسرائيل استخدمت الأسلحة الأمريكية بطريقة "تتعارض" مع القانون الإنساني الدولي، ولكن لا توجد أدلة ملموسة كافية لربط أسلحة محددة قدمتها الولايات المتحدة بالانتهاكات.
والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن التقرير قال إن وزارة الخارجية "لم تقيم حاليًا أن الحكومة الإسرائيلية تحظر أو تقيد نقل أو توصيل المساعدات الإنسانية الأمريكية" في غزة. ويعد هذا حكمًا عالي المخاطر لأنه بموجب بند في قانون المساعدات الخارجية، ستكون الولايات المتحدة ملزمة بخفض مبيعات الأسلحة والمساعدات الأمنية لأي دولة يتبين أنها تمنع تسليم المساعدات الأمريكية.
وقالت جيلبرت التي عملت في وزارة الخارجية الأمريكية لمدة 20 عامًا، وعملت في عدة مناطق حرب، إن التقرير الصادر يتعارض مع وجهة النظر الساحقة لخبراء وزارة الخارجية الذين تمت استشارتهم بشأن التقرير.
وأوضحت جيلبرت، أن هناك اتفاقًا عامًا على أنه في حين أن عوامل أخرى أعاقت تدفق المساعدات إلى غزة في الوقت الذي بدأت فيه المجاعة تسيطر على سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، مثل انعدام الأمن الناجم عن حماس، والعمليات العسكرية الإسرائيلية واليأس من الفلسطينيين للعثور على الطعام، كان من الواضح أن إسرائيل تلعب دورًا في الحد من كمية المواد الغذائية والإمدادات الطبية التي تعبر الحدود إلى القطاع.
ولفتت المسؤولة الأمريكية السابقة إلى أن هذا كان رأي خبراء الشؤون الإنسانية في وزارة الخارجية الأمريكية، وقالت: "لهذا السبب أعترض على ذلك التقرير الذي يقول إن إسرائيل لا تمنع المساعدات الإنسانية. وهذا كذب واضح".
وكانت جيلبرت واحدة من الخبراء الذين تمت استشارتهم في إعداد التقرير المنصوص عليه بموجب مذكرة الأمن القومي رقم 20، لكنها قالت إنه تم إخراجه من أيديهم مع اقتراب الانتهاء منه.
وقالت: " في وقت ما في نهاية شهر أبريل، تم سحب التقرير من الخبراء المتخصصين من التقرير، وقيل لنا إنه سيتم تحريره على مستوى أعلى. لذلك لم أعرف ما ورد في التقرير حتى صدر".
وأضافت: " لكن عندما صدر التقرير، في وقت متأخر من بعد ظهر الجمعة، يوم 10 مايو، قرأته واضطررت إلى إعادة قراءته. وكان علي أن أعود وأطبع هذا القسم وأقرأه، لأنني لم أستطع أن أصدق أنه ينص بشكل صارخ على أن إسرائيل لا تمنع المساعدات الإنسانية".
وتابعت جيلبرت، أنها تقدمت باستقالتها من منصبها في وزارة الخارجية الأمريكية بعد ساعتين من نشر التقرير.
ووفقًا للسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، فإن "التقرير المنصوص عليه بموجب مذكرة الأمن القومي رقم 20 كان ينبغي أن يستند إلى تقييم صريح للحقائق والقانون".
وقال فان هولين: "إن تصريحات تيسي جيلبرت تؤكد بشكل أكبر المخاوف التي أعربت عنها بشأن تجاوز النتائج التي توصلت إليها المكاتب والخبراء الأكثر مشاركة في توزيع المساعدات والامتثال للقانون الدولي لصالح الموائمة السياسية".
وكانت جيلبرت أحد المسؤولين الأمريكيين اللذين استقالا، مؤخرًا، بسبب سياسة إدارة بايدن في غزة. وقال ألكسندر سميث، المتعاقد مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الذي استقال، الاثنين الماضي، إنه تم تخييره بين الاستقالة والإقالة بعد إعداد عرض تقديمي حول وفيات الأمهات والأطفال بين الفلسطينيين، والذي تم إلغاؤه في اللحظة الأخيرة من قبل رئاسة الوكالة الأمريكية.
واختار سميث، وهو مستشار بارز لصحة الأم والطفل والتغذية، الاستقالة بعد أربع سنوات في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وفي خطاب استقالته إلى رئيسة الوكالة، سامانثا باور، اشتكى من التناقضات في نهج الوكالة تجاه مختلف البلدان والأزمات الإنسانية، والمعاملة العامة للفلسطينيين.
وكتب: "لا أستطيع أن أقوم بعملي في بيئة لا يمكن فيها الاعتراف بأشخاص محددين كبشر كاملين، أو حيث تنطبق مبادئ النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان على البعض، ولكن ليس على الآخرين، اعتمادًا على عرقهم".
ويرفع سميث وجيلبرت العدد الإجمالي لمسؤولي إدارة بايدن الذين استقالوا علنًا بسبب السياسة الأمريكية بشأن غزة إلى تسعة، على الرغم من أن جوش بول، أول مسؤول يستقيل، قال إن ما لا يقل عن عشرين آخرين غادروا بهدوء، دون إعلان.
وجاءت الاستقالات مع انتشار المجاعة في غزة، مع وصول قدر ضئيل من المساعدات الإنسانية عبر المعابر البرية التي تسيطر عليها إسرائيل، وانهيار رصيف أمريكي الصنع مخصص لتوصيل المواد الغذائية، والذي تعرض لأضرار بالغة بسبب عاصفة على البحر الأبيض المتوسط في وقت سابق.
وتحدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، الرئيس الأمريكي جو بايدن من خلال مواصلة الهجوم على رفح الفلسطينية في أقصى جنوب غزة، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني، واضطر أكثر من 900 ألف منهم إلى الفرار من القصف مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة.