رغم الاستنكار الدولي الواسع للمجزرة الإسرائيلية في خيام النازحين برفح الفلسطينية، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ترى أن جيش الاحتلال لم يتجاوز بعد "الخط الأحمر" الذي رسمته واشنطن لإسرائيل، فيما يتعلق بسلامة المدنيين في المدينة المكدسة بالنازحين.
واستشهد ما لا يقل عن 45 شخصًا، وأصيب أكثر من 200 آخرين، في "محرقة الخيام" التي اقترفها جيش الاحتلال في مخيم نزوح تم إنشاؤه حديثًا قرب مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) شمال غرب رفح الفلسطينية، ومعظم الضحايا من النساء والأطفال، وفقًا للسلطات الصحية في غزة ومسعفين فلسطينيين.
وأثارت المجزرة الإسرائيلية في خيام النازحين برفح الفلسطينية، إدانة دولية واسعة، إذ دعت وكالات الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة والعديد من حكومات العالم إسرائيل إلى وقف العدوان على الفور، لكن جيش الاحتلال لم يمتثل للدعوات الدولية، وتوغلت دباباته أكثر في رفح الفلسطينية.
ومع ذلك، لم تتغير سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن حيال إسرائيل، ما يشير إلى أن الضربة القاتلة في رفح الفلسطينية لم تتجاوز بعد "الخط الأحمر" الذي من شأنه أن يفرض تغييرات في الدعم الأمريكي، على الرغم من تصريح بايدن في مقابلة مع "سي. إن. إن" في وقت سابق من هذا الشهر، إنه لن يسمح باستخدام الأسلحة الأمريكية في هجوم كبير على رفح الفلسطينية.
وذكرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، أن الإدارة الأمريكية أوضحت علنًا وسرًا، أمس الثلاثاء أن الهجوم رغم كونه مدمرًا، لن يؤدي إلى أي توبيخ جدي من واشنطن.
وفسرت الصحيفة التوضيح الأمريكي بأنه أقوى مؤشر، حتى الآن، على أن إسرائيل تقوم بعملية عسكرية يمكن للإدارة أن تقبلها، حتى لو لم يقبل المسؤولون الأمريكيون جميع جوانبها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، إن الهجوم الذي أدى إلى استشهاد ما لا يقل 45 مدنيًا وإصابة عشرات آخرين، لم يتجاوز "الخط الأحمر" الذي وضعه بايدن.
وحسب الصحيفة، زعم المسؤول الكبير أن العملية ككل تظهر أن إسرائيل استجابت للتحذيرات الأمريكية بالذهاب إلى رفح بعملية أكثر دقة واستهدافًا.
ولفتت الصحيفة إلى أن المتحدثين باسم الحكومة الأمريكية أكدوا تقييم المسؤول الكبير، رغم أنهم امتنعوا عن معالجة الخطوط الحمراء بشكل مباشر.
ونقلت الصحيفة ما قاله ماثيو ميللر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة تتوقع من إسرائيل إجراء "تحقيق كامل وشفاف" لمحاسبة المخطئين، إذا لزم الأمر.
وزعم "ميللر" أن "عملية رفح حتى الآن، ليست بحجم العمليات في مدينة غزة وخان يونس، إذ أرسلت إسرائيل أعدادًا كبيرة من القوات، وأسقطت العديد من القنابل، وهذا حتى الآن نوع مختلف من العمليات العسكرية".
وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، للصحفيين في وقت لاحق: "ليس لدي أي تغييرات في السياسة لأتحدث إليها بعد غارة رفح الفلسطينية"، وأضاف أن "وجهة نظر الإدارة بشأن عملية برية كبيرة تتضمن الآلاف من القوات التي تتحرك في طوابير منظمة ضد أهداف مركزية مأهولة بالسكان".
وردًا على سؤال حول عدد الضحايا المدنيين الذي تعتبره الإدارة غير مقبول، قال كيربي: "ليس هناك مقياس هنا أو حصة. وكما قلنا مرات عديدة، فإن العدد الصحيح للضحايا المدنيين هو صفر".
وأدى الهجوم الإسرائيلي على خيام النازحين في رفح الفلسطينية إلى انتقادات شديدة للإدارة الأمريكية، إذ دعا الديمقراطيون والمدافعون عن حقوق الإنسان بايدن إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل.
وقال بريان فينوكين، كبير مستشاري مجموعة الأزمات الدولية، إن "إدارة بايدن لا تزال تتسامح بشكل كبير مع قيام إسرائيل بقتل المدنيين الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك الأسلحة الأمريكية".
ولفتت "بوليتيكو" إلى أن الإدارة الأمريكية أمضت الأسبوع الماضي في الإشادة بالطريقة التي نفذ بها جيش الاحتلال هجومه على رفح الفلسطينية، مع فرار مليون فلسطيني من المدينة، المكدسة بالنازحين.
وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية للصحفيين، 21 مايو، إن إسرائيل حدثت خططها بشأن رفح و"أدمجت العديد من المخاوف التي عبرنا عنها" بشأن سلامة المدنيين، رغم أن إسرائيل لم تقدم مثل هذه الخطة علنًا.
وردًا على سؤال حول هذا التصريح في اليوم التالي، قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، بعد عودته من رحلة إلى إسرائيل، إن نظراءه أطلعوه على "التحسينات" على خطط الهجوم على رفح الفلسطينية.
وأضاف سوليفان: "ما رأيناه حتى الآن فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في تلك المنطقة كان أكثر استهدافًا ومحدودًا، ولم يتضمن عمليات عسكرية كبيرة في قلب المناطق الحضرية المزدحمة".
وبخصوص الهجوم على مخيم النازحين في رفح الفلسطينية، قال سوليفان، إن "الإدارة ستواصل مراقبة ما يتكشف. ما سننظر فيه هو ما إذا كان هناك الكثير من الموت والدمار الناجم عن هذه العملية أم أنها أكثر دقة وتناسبًا".
وتعد الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، واستمر هذا الدعم على الرغم من الضغوط السياسية المتزايدة على إدارة بايدن بشأن الهجوم على غزة.
وفي الشهر الماضي، وقع بايدن على مشروع قانون مساعدات خارجية يتضمن 26 مليار دولار لإسرائيل، بما في ذلك 15 مليار دولار من المساعدات العسكرية الإسرائيلية، و9 مليارات دولار من المساعدات الإنسانية لغزة، و2.4 مليار دولار للعمليات العسكرية الأمريكية الإقليمية.