يقتبس مشوار حياة النجم الكوميدي المصري الراحل جورج سيدهم من عنوان آخر أعماله الفنية "الحلو ما يكملش" ملمحًا مهمًا من تجربته الفنية، إذ إن حلقات الفوازير التلفزيونية الصادرة عام 1997 تدور قصتها حول شخصية عروس يتقدم للزواج منها شاب في كل حلقة، لكن هناك شيئًا ما ينقصه.
جورج سيدهم الذي تمر اليوم ذكرى ميلاده الـ 86، تمتع بمواهب متعددة في التمثيل والكوميديا والغناء والحركات الاستعراضية أيضًا، لكن رغم ذلك لم يكتمل مشروعه الفني بالشكل الذي كان يتمناه، عندما عرف طريقه إلى خشبة مسرح كلية الزراعة بجامعة عين شمس قبل أن يلتقي برفقاء المشوار، سمير غانم والضيف أحمد ليكونوا فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" بالشكل الذي اشتهرت به.
قبل أن ينضم جورج سيدهم إلى الفرقة التي كانت في البداية اسمها "إخوان غانم" وتأسست في الإسكندرية في فترة الستينيات من القرن الماضي، تكونت في البداية من سمير غانم ووحيد سيف وعادل نصيف، واعتذر الثاني عن القدوم إلى القاهرة لارتباطه بوظيفة حكومية، فيما سافر الثالث إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل هناك، ليضم سمير غانم بعد ذلك جورج سيدهم والضيف أحمد، وتشتهر الفرقة بشكلها الأخير وتحقق نجاحًا منقطع النظير.
ثلاثي أضواء المسرح
مشوار جورج سيدهم الفني اقترن بفرقة ثلاثي أضواء المسرح بشكل كبير، منذ أن قدموا عروضهم بشكل احترافي للمرة الأولى من خلال التلفزيون المصري ببرنامج المنوعات "مع الناس" للمخرج محمد سالم الذي كان مقتنعًا للغاية بموهبتهم، وأخذهم للمشاركة في برنامجه الشهير وقتها "أضواء المسرح"، ويقدم جورج مع زملائه العرض الغنائي الفكاهي القصير "دكتور الحقني" تأليف حسين السيد، ويشاركون بعد ذلك في فيلم "منتهى الفرح" الصادر عام 1963.
نجاح كبير في بداية حياة جورج سيدهم الفنية، إذ خطف الممثل الشاب قلوب الجمهور، خصوصًا مع صفاته الجسمانية، فالنجم الكوميدي ذو الجسد المكتنز يسرق الأضواء بمواهبه المتعددة في التمثيل والغناء والأداء الاستعراضي أيضًا، كما أنه يميزه أيضًا عن رفاقه في الفرقة بأنه لا يضحك على المسرح مثل "غانم" و"الضيف"، مكتفيًا بأن ينتزع الضحكات من قلوب الجمهور، حسبما وصفه رفيق عمره سمير غانم في حوار تلفزيوني قديم.
ورغم أن الصفات الشكلية والجسمانية بين الثلاثي مختلفة، إلا أنهم جمعتهم التلقائية في الأداء والارتجال أيضًا، حتى عندما قدموا للمرة الأولى في التلفزيون فوازير رمضان بعنوان "فوازير ثلاثي أضواء المسرح" عام 1968 مع مكتشفهم محمد سالم، كانوا يحفظون النص الذي يكتبه الشاعر حسين السيد في البروفات، لكن عندما يدخلون الاستوديو لتسجيل الحلقات الرمضانية يفاجأ فريق العمل بأن جورج سيدهم ورفاقه يقدمون شيئًا مختلفًا معتمدين على التلقائية والحس الكوميدي المميز.
هذه التلقائية أيضًا لم يتخلوا عنها في "حواديت"، أول عمل مسرحي قدموه بشكل احترافي بعيدًا عن الاسكتشات "فقرات فنية تمثيلية وغنائية كوميدية"، التي كانوا يقدمونها في بدايتهم الفنية.
عمد الثلاثي إلى التلقائية والارتجال، وبدأوا التحضير لـ "حواديت" دون نص مكتوب، بل إن الممثلة نجلاء فتحي انسحبت من العرض؛ لأنها شعرت بأنه ليس هناك شيء ملموس أو عمل مسرحي بالمعنى التقليدي، لكن الثلاثي استمر في الفكرة وصعدوا على خشبة المسرح ونال العمل استحسان الجمهور وحقق نجاحًا كبيرًا.
مع نجاح العرض المسرحي قدم الثلاثي عروضًا أخرى تلفزيونية ومسرحية نالت نجاحًا كبيرًا، وفي ذلك الوقت كان كل منهم يذهب إلى تجارب سينمائية مختلفة معًا تارة، منها "الزواج على الطريقة الحديثة" و"30 يوم في السجن"، وبشكل فردي تارة أخرى، ليقدم جورج سيدهم عددًا من الأدوار البسيطة في أفلام منها "معبودة الجماهير"، "أخطر رجل في العالم"، "أنا الدكتور 1968".
فاجعة وفاة الضيف أحمد
في ذلك الوقت كان جورج سيدهم يشعر بأن أحلامه تتحقق، ويبحث عن أعمال فنية أخرى يعبر فيها عن طاقته الفنية ومواهبه المتعددة، سواء مع رفاق "ثلاثي أضواء المسرح"، أو منفردًا بتجارب صغيرة حتى يثبت للمنتجين أنه قادر على تحمل البطولة المطلقة، لكن في ربيع عام 1970 تلقى جورج سيدهم خبرًا مفجعًا لم يتمالك نفسه وقتها ليتصل بسمير غانم تليفونيًا قائلًا: "الضيف أحمد مات يا سمير".
حالة شديدة من الحزن انتابت الثنائي على رحيل أحد أضلاع الفرقة والصديق صاحب الوجه البشوش، وقررا ألا يضما أحدًا بعده إلى الفرقة مع الاحتفاظ باسمها الأصلي تكريمًا للصديق الراحل، واستمر "سيدهم" و"غانم" على خشبة المسرح يقدمان عروضًا منها "أهلا يا دكتور"، "موسيقى في الحي الشرقي" و"المتزوجون"، محتفظين بحب الجمهور ومفتقدين صديق العمر.
رغم النجاح الكبير الذي حققه جورج سيدهم على المسرح، لم يحقق نفس المردود في السينما مكتفيًا بأدوار شرفية أو صغيرة في أفلام منها "البحث عن فضيحة" الصادر عام 1973، "أضواء المدينة"، "البعض يذهب للمأذون مرتين"، "غريب في بيتي"، ودور أكبر مساحة في "الشقة من حق الزوجة" عام 1985.
وصعد جورج سيدهم إلى البطولة المطلقة للمرة الأولى على خشبة المسرح، بعيدًا عن "الثلاثي" من خلال مسرحية "جواز مع الاشتراك في الأرباح" عام 1984، واستغرق نحو 10 سنوات ليكرر التجربة مرة أخرى في المسرحية الأبرز "حب في التخشيبة" التي عرضت عام 1994.
رحيل جسدي وزخم فني
الفنان صاحب الجسد البدين المكتنز بالموهبة الفطرية، كان يبحث عن مناطق إبداع أخرى درامية بعيدًا عن الكوميديا، يعبر فيها عن نفسه ويرسم تجربته الفنية الخاصة، لكن المرض وقف عقبة أمام الطموح، إذ أصيب بجلطة في المخ عام 1997 أدت إلى إصابته بشلل تام في الجزء الأيمن جسده، ليجلس في منزله وترعاه زوجته ويختفي عن الظهور الفني والإعلامي حتى جاء ظهوره في إعلان رمضاني عام 2014 جمعه بسمير غانم وشيرين أبطال مسرحية "المتزوجون"، وأثار الحنين في قلوب عشاق جورج سيدهم الذي توفي في مارس 2020.