منذ نحو عامين، تسعى الولايات المتحدة التفاوض إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران، الذي أبرمته عام 2015، لكنها تُمنى بالفشل، ومع ذلك ترفض واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون إغلاق الباب أمام الدبلوماسية، بحسب وكالة "رويترز".
وتعكس أسبابهم خطورة الأساليب البديلة، مثل العواقب غير المتوقعة لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، إضافة إلى الاعتقاد بأنه ما زال هناك متسع من الوقت لتغيير مسار طهران، حتى لو كانت تتقدم ببطء نحو صنع مواد انشطارية، فهي بحسب مسؤولين لم تتمكن من صنعها بعد، كما أنها لم تتمكن كذلك حتى الآن من وضع تقنية صنع قنبلة نووية.
خطة عمل شاملة
وقال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي في بروكسل، بعد اجتماع لمسؤولي التكتل "أعتقد أنه ليس لدينا خيار أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) لضمان عدم تطوير إيران لأسلحة نووية".
وتقضي خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، بأن تكبح طهران برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عن كاهلها، وأضاف بوريل "علينا أن نواصل الانخراط قدر الإمكان في محاولة إحياء هذا الاتفاق"، وفقًا لـ"رويترز".
طهران تسرع وتيرة برنامجها النووي
وازداد السعي لإحياء الاتفاق صعوبة هذا العام، إذ شنّت إيران حملة قمع وحشية على الاحتجاجات الشعبية، كما تُتهم طهران بإرسال طائرات مُسيرة لمساعدة روسيا في حربها بأوكرانيا، كما سرّعت طهران وتيرة تطوير برنامجها النووي، ورفع كل ذلك الثمن السياسي لتخفيف العقوبات على إيران.
وقال روبرت أينهورن، خبير حظر انتشار الأسلحة النووية في معهد بروكنجز للأبحاث: "كل يوم ترى المزيد والمزيد من المراقبين يقولون هذا هو أسوأ توقيت لإحياء الاتفاق، ويجب علينا فقط أن نضغط على النظام البائس هناك".
وأضاف: "هناك نوع من التخلي، حتى بين المؤيدين بقوة لإحياء الاتفاق، فهم يفكرون من الناحية العاطفية في دفع الثمن السياسي لإحيائه، لكن عقولهم تقول لهم إن ذلك سيكون صعبًا حقًا".
انسحاب ترامب وإعادة فرض العقوبات
في عام 2018، انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن اتفاق عام 2015 الذي حد -في بند أساسي- من تخصيب طهران لليورانيوم إلى درجة نقاء تبلغ 3.67 في المئة، أي أقل بكثير من 90 في المئة اللازمة لتصنيع قنبلة نووية.
وأعاد ترامب فرض العقوبات الأمريكية على إيران، مما دفع طهران إلى استئناف الأنشطة النووية المحظورة سابقًا، وأحيا ذلك المخاوف الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية من أنها قد تسعى لامتلاك قنبلة نووية. وتنفي إيران أن لديها مثل هذا الطموح.
منشأة فوردو
وتُخصب إيران اليورانيوم حاليا بنسبة نقاء 60 في المئة، بما في ذلك في منشأة فوردو، وهو موقع تحت جبل، مما يجعل من الصعب تدميره من خلال عملية قصف.
ويعتبر الحصول على المواد الانشطارية أكبر عقبة أمام صنع سلاح نووي، وإن كان هناك عقبات أخرى، لا سيما التحدي التقني لتصميم قنبلة.
وقدر تقرير للمخابرات الأمريكية، نُشر في أواخر عام 2007، بتقييم شديد الثقة، أن إيران كانت تعمل على تطوير أسلحة نووية حتى خريف عام 2003 حين أوقفت العمل عليها.
ويعتقد دبلوماسيون أن إيران لم تبدأ تخصيب اليورانيوم حتى 90 في المئة، وهو ما قالوا إنهم يعتبرونه خطًا أحمر.
المسار الدبلوماسي سيظل مفتوحًا
وقال دبلوماسي غربي: "إذا استأنفت إيران بوضوح برنامجها العسكري وبدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المئة، فسيتغير النقاش تمامًا في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل"، مشيرًا إلى أن المسار الدبلوماسي سيظل مفتوحًا ما لم يحدث ذلك.
وأصبح السياسيون الأمريكيون أكثر مقاومة لفكرة إبرام اتفاق بسبب حملة القمع الإيرانية القاسية على الاحتجاجات التي بدأت بعد وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاما) في سبتمبر، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق.
العقوبات الأمريكية مستمرة
وكثفت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن العقوبات على إيران في الأشهر الأخيرة، واستهدفت كيانات صينية تسهل مبيعات النفط الخام الإيراني، كما عاقبت مسؤولين إيرانيين على انتهاكات حقوق الإنسان.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن -طلب عدم ذكر اسمه- إنه على الرغم من تعثر المفاوضات فإن إنريكي مورا، وهو الدبلوماسي الأوروبي الذي ينسق المحادثات النووية "يواصل التحدث إلى جميع الأطراف".
وقال المبعوث الأمريكي الخاص المختص بالملف الإيراني روبرت مالي، للصحفيين في باريس الشهر الماضي: "سنواصل الضغط مع إبقاء الباب مفتوحًا للعودة إلى الدبلوماسية"، مضيفًا أنه إذا تجاوزت إيران "عتبة جديدة في برنامجها النووي فسيكون الرد مختلفًا بوضوح"، لكنه لم يخض في تفاصيل.
وربطت إيران إحياء الاتفاق بإغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في موضوع آثار اليورانيوم المُكتشفة في ثلاثة مواقع. ولم توافق الولايات المتحدة وحلفاؤها على هذا الشرط.
استبعاد الحل العسكري
يقول العديد من الدبلوماسيين الغربيين إنهم لا يعتقدون أن هناك أي تفكير وشيك للقيام بعمل عسكري ضد إيران، ويشيرون إلى أن توجيه ضربة قد يعزز ببساطة أي رغبة إيرانية في الحصول على أسلحة نووية، ويخاطر برد إيراني.
وقال الدبلوماسي الغربي: "لا أعتقد أن أي طرف يتصور خيارًا عسكريًا في المدى القريب.. الحل لن يكون عسكريًا ولا أسمع الكثير من الناس ينادون به".
وقال دبلوماسي ثالث إنه يعتقد أن من المستحيل عمليًا على إسرائيل قصف إيران دون دعم غربي.
وأضاف المسؤول الكبير في إدارة بايدن، أنه حتى إذا تعذر إحياء اتفاق عام 2015 النووي، فإن حلولًا دبلوماسية أخرى قد تكون ممكنة.
وتابع:"ما إذا كان يمكن إحياء الاتفاق النووي ومتى وكيف يمكن إحياؤه.. سؤال صعب. لكن حتى إذا مات الاتفاق في مرحلة ما، فذلك لن يعني أن الدبلوماسية ستُوارى الثرى معه في ذات الوقت".