الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

نعيمة عاكف.. فتاة السيرك التي منحت رفاق حياتها أطواق النجاة

  • مشاركة :
post-title
الفنانة المصرية الراحلة نعيمة عاكف

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

في إحدى الليالي الصيفية بشهر يوليو عام 1957، وقف المنتج والمخرج المصري حسين فوزي وسط دار سينما شهيرة في وسط البلد بالعاصمة القاهرة، مُنتشيًا بنجاح فيلمه "تمر حنة"، قائلًا لصديقيه أحمد رمزي ورشدي أباظة: "لو لم ينجح هذا الفيلم لاتخذت قراري بالانتحار أو الهجرة"، إذ حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في دور العرض، خصوصًا مع اختلافه عن السائد وقتها واستعراضه لقصة حب بين راقصة غجرية جسدت دورها نعيمة عاكف، وتجمعها علاقة حب مع "حسن" الذي يعمل معها في الموالد الشعبية، لكن يعجب بها شاب ثري يدعى "أحمد".

طوق النجاة الذي أُلقي إلى حسين فوزي لإنقاذه من مصير مظلم، يعود الفضل بشكل كبير فيه إلى وجود الفنانة المصرية الراحلة نعيمة عاكف ضمن أبطال الفيلم، والتي تحل اليوم الأربعاء ذكرى رحيلها، إذ توفيت يوم 23 أبريل عام 1966، وسط صدمة كبيرة من محبيها وزملائها في الوسط الفني، لأنها رحلت عن عالمنا ولم يكن عمرها تجاوز 36 عامًا فقط، بعد أن منحت الكثير من أطواق النجاة للمقربين منها وزملائها في الوسط الفني، حتى ممن كانوا يؤذونها في حياتها.

الملصق الدعائي لفيلم "تمر حنة"
طفولة قاسية موهبة

الشخص الأول الذي أعطته نعيمة عاكف بارقة أمل وأنقذته من الإفلاس، هو والدها إسماعيل عاكف إسماعيل الذي كان يدير سيركًا بمحافظة طنطا معروفًا باسم "سيرك عاكف" مع أشقائه وعدد من أفراد عائلته، ويعتمد على بناته في تأدية فقرات بالسيرك الشعبي البسيط، لكن اختلف الأمر عندما لاحظ موهبة ابنته الأصغر، وعرف أنها مختلفة عن شقيقاتها، وبالفعل تدربت على يديه وقدمت فقرات نالت إعجاب الكثيرين من رواد السيرك، ورغم صغر سنها بات لها جمهورها الذي يقطع ثمن التذكرة خصيصًا لمشاهدتها.

معاملة الأب القاسية لابنته حرمتها من متعة الإحساس بنجاحها وتصفيق الجمهور لها في المسرح، خصوصًا مع ضربه المبرح لها حتى تنفذ قراراته وأوامره، إذ كان يرى فيها فرصته للخروج من الديون التي تراكمت عليه؛ بسبب إدمانه المراهنات ولعب القمار، لكن الابنة الموهوبة بالفطرة امتلكت ميزة الرفض وقول كلمة "لا" والإصرار على أن تأخذ نصيبًا ماديًا من نجاحها، حتى تنفقه على والدتها وشقيقاتها.

مع هذه المعاملة القاسية وزواج الأب من امرأة أخرى، لم تجد والدة نعيمة عاكف مفرًا سوى بالهروب إلى القاهرة مع بناتها، لتعمل الطفلة الصغيرة وشقيقاتها في مقاهي شعبية يقدمن عرضا تحت اسم "البهلونات" نسبة إلى عملهن السابق في السيرك، ثم يتعرف عليهن المطرب محمد الكحلاوي ليأخذهن للعمل في فرقته، ويصبحن بمثابة "وش السعد" عليه، ويزداد جمهور فرقته.

نعيمة عاكف
موهبة مذهلة

الفنانة التي سميت بنعيمة تيمنًا بأن تكون مصدرًا للنعم، أصبحت كذلك بالفعل لكل من يعمل معها، ليذيع صيتها ثم تلتحق بفرقة بديعة مصابني وتذهل الجميع بموهبتها، فهي لم تكن تشبه أحدًا من زميلاتها المصريات، وتختلف تمامًا عن الراقصات الأجنبيات بالفرقة، لتساهم بشكل كبير في رواج العروض التي يقدمها كازينو بديعة مصابني، وتجعلها مميزة عن المنافسين لها بشارع عماد الدين بوسط القاهرة، لكن شهر العسل لم يدم طويلًا مع صاحبة الفرقة، لأن الفتاة العنيدة رفضت أن ترتدي "مايوه" وترقص مثل الأجنبيات قائلة في لهجة تحدٍ واضحة: "أنا لست مثلهن".

النجمة التي كانت أول ممثلة تفوز بلقب "معبودة الجماهير"، عانت كثيرًا بعد أن تركت فرقة بديعة مصابني بمنتصف الأربعينيات من القرن الماضي، فهي كانت بمثابة طوق النجاة لعائلتها من الظروف المادية الصعبة التي كانت تمر بها، لذا شعرت بأنها يجب أن تتكاتف مع شقيقاتها وعادت لتشارك معهن في فرقة "البهلونات" التي طافت العديد من المدن والمحافظات، وقدمت الشقيقات معًا عروضًا ناجحة وسط دعم من أحد مكتشفي المواهب الذي تحمس للفرقة، بعد أن كان يتابع نعيمة عاكف في كازينو بديعة.

العيش والملح "وش السعد"

اجتذبت السينما الفنانة الشابة الموهوبة وهي في عمر الـ20 عامًا، مع مكتشفها سينمائيًا حسين فوزي وقدمها في فيلم "العيش والملح" عام 1949، وحقق العمل نجاحًا كبيرًا، ليعرف فوزي أنه أجاد اختيار موهبة شابة سيكون لها مستقبل كبير في السينما، وأسند لها بعد ذلك بطولات أفلام كثيرة ومنها "لهاليبو"، "يا حلاوة الحب"، "فرجت"، "جنة ونار"، "فتاة السيرك"، "النمر"، وقرر بعد ذلك أن يتزوجها ويقدم معها أفلامًا أخرى وكان فيلم "المليونير" عام 1953 أول عمل فني لهما بعد الزواج الذي لم يستمر سوى نحو 5 سنوات.

نعيمة عاكف

موهبة نعيمة عاكف النادرة جعلتها إحدى أبرز نجمات جيلها، فهي تعد أيضًا من أوائل الفنانات الجديرات بوصف "الفنانة الشاملة"، وحول ذلك قال الفنان محمود رضا مؤسس فرقة رضا للفنون الشعبية في حوار تلفزيوني قديم: كانت تجيد كل أنواع الفن، بل أيضًا تميزت بأنها تقدم مختلف الرقصات بإجادة تامة، ترقص باليه، وشرقي، وغربي، كل ذلك بنفس الدرجة من الإتقان، لقد ساعدتها كثيرًا نشأتها في السيرك، ما جعلها متميزة.

"لا تستطيع أن تعرف هل أنت أمام لاعبة أكروبات أم راقصة احترفت الرقص منذ سنوات أم فتاة استعراض، لديها كل أدوات العمل الاستعراضي".. هكذا يصف الكاتب المصري ماهر زهدي الفنانة الراحلة في كتابه "نعيمة عاكف- التمر حنة"، موضحًا أنها فنانة لم تشبه سوى نفسها. لكن القدر لم يمهلها كثيرًا، إذ اكتشفت إصابتها بمرض سرطان المعدة عام 1962 وقت أن كانت تصور فيلم "الحقيبة السوداء" مع المخرج حسن الصيفي، ورحلت عن عالمنا بعد معاناة 4 سنوات مع المرض، تاركة وراءها 25 فيلمًا سينمائيًا قدمتها خلال 14 عامًا، والكثير من المنح لكل من رافقها في مشوارها، وتزين تاريخ السينما المصرية بعدد من أفضل الأفلام الاستعراضية الممزوجة بخفة الظل.