لم تكن السبع ساعات التي انتظرتها أمينة غنام من مخيم نور شمس في طولكرم، سهلة عليها، حيث ظلت تناجي ربها للخلاص من هذه اللحظات التي تعيشها، ممسكة برأس نجلها الشهيد سليم، بعد أن مُنعت مركبات الإسعاف من نقله، لتبقى يدها فوق رأسه طيلة الوقت.
تجلس المرأة السبعينية بجوار رأس نجلها الشهيد تداعب شعره، وتناجيه بكلمات "وين رحت بيكفي اللي راحوا"، ولم يمض وقت قليل، حتى جاءتها الطامة الكبرى بسماع نبأ استشهاد نجلها الآخر محمود، في إحدى حارات المخيم، ليصبح الألم مضاعفًا.
وكانت "أمينة" فقدت اثنين آخرين من أبنائها عامر وأحمد، 9 أكتوبر الماضي، عقب استشهادهما برصاص الاحتلال في ذات اليوم، فيما توفير آخر بمرض عضال.
تقول "غنام": "كان ابني سليم (29 عامًا) داخل المنزل وأراد الصعود للطابق الثاني، فجأة سمعنا صراخ شقيقه بعد أن وجده مضرجًا بدمائه، عقب إصابته برصاصة أحد قناصة جيش الاحتلال".
وتضيف: "حاولت طواقم الإسعاف الوصول إلى المنزل إلا أن قوات الاحتلال منعتها وبقي ينزف واستشهد أمام عيني، وبقيت فوق رأسه لأكثر من سبع ساعات".
وتتابع: "وأنا أنتظر وأدعو لنجلي، وصلني نبأ استشهاد نجلي محمود (23 عامًا)، لتصبح الساعات ثقيلة جدًا، خاصة أنني فقدت 3 من أولادي في شهور سابقة".
وتحاول أمينة التي أنهكتها هموم الحياة، حبس دموعها متمسكة بوصايا أولادها بألا تبكي عليهم، وتقول: "كان في حلمي أن يحملوا جثماني إلى القبر، الآن فقدت 5 من الأولاد".
جلست أمينة على الكرسي فلم تعد تقوى على الوقوف بانتظار إلقاء نظرة الوداع على جثماني نجليها، فيما تحاول النسوة مواساتها والشد من أزرها.
خارج منزل عائلة غنام في حارة المنشية، تجمع المواطنون حول والد الشهداء فيصل غنام، لتُسمع كلماته بالتضرع والشكر لله رغم المصاب الذي ألم بالعائلة، قائلًا "كل ما يحدث من هذا الحقد من قبل الاحتلال، من أجل الضغط علينا وترحلينا من أرضنا، لقد فعلوا ذلك في 1948، لكن رغم ذلك صامدون وباقون في أرضنا".
وتابع: "فقدت 5 من أولادي وهذا ثمن الحرية التي يبحث عنها الفلسطينون فوق هذه الأرض، لكن نحن نحب الحياة والعيش بسلام والاحتلال لا يبحث عن السلام".