اختار الفنان المصري الراحل صلاح السعدني الابتعاد عن الشاشة خلال الـ11 عامًا الماضية، ليتفرغ لحياته العائلية وأسرته، بعد مشوار حافل بالعطاء الفني ذي الصبغة الخاصة، لكن ذلك الابتعاد لم يؤثر على علاقته بمشاهديه ومحبيه وأيضًا زملائه بالوسط الفني، وظهرت معالم ذلك مع حالة الحزن الشديدة التي انتابت الجميع عقب إعلان وفاته صباح اليوم الجمعة، إذ أدرك الجمهور وأيضًا صناع الدراما حجم الخسارة التي يخلفها رحيله.
التأثير البالغ المشهود لنجم مسلسل "ليالي الحلمية" في المشهد الدرامي التلفزيوني العربي، تٌرجم إلى بكاء شديد من نجوم الفن في جنازته التي أقيمت عصر اليوم بمسجد الشرطة بمدينة الشيخ زايد، إذ لم يتمالك العديد من النجوم أنفسهم وبكوا بشدة سواءً في الجنازة أو لحظة دفنه، ومنهم أحمد السقا ومنى زكي وأحمد حلمي ووفاء عامر، لتمتزج دموعهم ببكاء الابن أحمد السعدني، لحظة توديع جثمان الفنان الكبير الذي كان مسرح التلفزيون سببًا في اكتشافه وتألقه رفقة نجوم جيله، ومنهم الزعيم عادل إمام رفيق الكفاح، وسعيد صالح، وسمير غانم، ونور الشريف، وغيرهم من الفنانين.
"رحلت يا صلاح لكن ستبقي معنا بسيرتك الطيبة وأعمالك الفنية الرائعة".. جملة واسى بها النجم محمد صبحي نفسه في وداع صديقه الذي سانده في بداية مشواره الفني، وتلخص ما يشعر به الكثير من رفاق الرحلة وأيضًا الأجيال التالية له، إذ كانت جنازته ممتلئة بفنانين من أجيال مختلفة، ما يؤكد أن رحلته الفنية واختياراته لأعماله رافقها التوفيق الشديد، إذ سيبقى الجمهور -كما يؤكد صبحي- يتذكر دائمًا شخصيات عدة قدمها خالدة في تاريخ الدراما.
اللافت للنظر أن أبرز الشخصيات التي تركت علامة بارزة في قلوب المشاهدين، وجسدها الفنان الراحل في مسلسلات تلفزيونية، جاءته بعد أن اعتذر عنها عدد من النجوم، إذ لم يكن "السعدني" الترشيح" الأول لشخصية العمدة سليمان غانم في المسلسل الشهير "ليالي الحلمية"، إذ سبق إليه يحيى الفخراني الذي فضل أن يجسد دور سليم البدري، وأيضًا اعتذر عن الدور نفسه الفنان الراحل محمود ياسين، ليكون لقب "عمدة الدراما" من نصيب السعدني.
أيضًا لم يكن الممثل الراحل الاختيار الأول لصناع مسلسل "أرابيسك"، إذ سبق للترشيح نجوم كبار، منهم عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز، لكن كل منهم اعتذر لسبب خاص، لتكون شخصية حسن النعماني أحد أبرز الشخصيات في السجل الفني للنجم الذي ترك برحيله فراغًا كبيرًا في الدراما المصرية.
يقف سليمان غانم وحسن النعماني، رفقة عدد من الشخصيات الخالدة الأخرى التي قدمها صلاح السعدني في مسلسلات عاشت مع الجمهور حتى الآن، ومنها نصر وهدان القط بمسلسل "حلم الجنوبي"، إبراهيم العقاد في مسلسل "الباطنية"، وعبد القوي الأدهم النجعاوي بمسلسل "القاصرات" عام 2013، الذي كان آخر ظهور له في الدراما التلفزيونية قبل أن يفضل الابتعاد عن الأضواء واختار الصمت في سنوات الأخيرة، لكنه ظل عملاقًا كما يصفه الناقد طارق الشناوي في رثائه له، مشيدًا بعطائه الممتد منذ مطلع الستينات من القرن الماضي، ومؤكدًا أنه سيظل قامة وقيمة.